أما إنه لو كان غيرك أرقلت ... إليه القنا بالراعفات اللهاذم .
ولما خرج سرخاب بن كيخسرو الديلمي من طاعة السلطان محمد بن ملكشاه وفارقه بساوة ولجأ إلى سيف الدولة صدقة فأجاره وكتب إلى السلطان عن لسان سرخاب يستعطفه بهذه الأبيات : .
هبني كما زعم الواشون لا زعموا ... أذنبت حاشاي أو زلت بي القدم .
وهبك ضاق لك الإنصاف عن جرم ... أجرمته أيضيق العفو والكرم .
ما أنصفتني في حكم العلى أذن ... تصغي لواش وعن عذري بها صمم .
فلم يؤثر ذلك عند السلطان لكبير جرمه وكاتب سيف الدولة بإرساله وسيف الدولة يعتذر بذمامه ؛ ولم يزل الأمر بينهما إلى أن أغلظ له السلطان وتوعده وهو مقيم على الوفاء بذمامه فقصده السلطان في عساكره وخرج سيف الدولة في خيله ورجله وحامته وأهله ولم يزل في الذب عن سرخاب إلى أن أتاه حينه وأزف بينه وانكشفت الحرب عنه مقتولاً وانتهب حريمه وكان ذلك يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب سنة إحدى وخمسمائة بزرفيمياء على دجلة بعد صلاة الجمعة ومدة إمارته اثنتان وعشرون سنة وثلاثة أشهر غير ثلاثة أيام وحمل رأسه إلى بغداد وطيف به على رمح ودفنت جثته ؛ والحلة اختطها صدقة سنة خمس وتسعين وأربعمائة وسكنها الناس وتفرق أولاده في البلاد . قال ولده بدران يرثيه : .
يا راكبان من الشآ ... م إلى العراق تحسسا لي .
إن جئتما حلل الكرا ... م ومركز الأسل الطول .
قولا لها بعد السلا ... م وقبل تصفيف الرحال .
ما لي أرى السعدي عن ... جيش الفتى المضري خالي .
والقبة البيضاء في ... نقص وكانت في كمال .
يا صدق لو صدقوا رجا ... لك مثل صدقك في القتال .
أو يحملون على اليمي ... ن كما حملت على الشمال .
دامت لهم بك دولة ... يسعى لها همم الرجال .
عربية بدوية ... تسمو على طول الليالي .
لكنهم لما رأوا ... يوم الوغى وقع العوالي .
فروا وما كروا فتب ... اً للعبيد وللموالي .
ولما جدد سيف الدولة صدقة داره بالجامعين قال الأمير أبو الذواد المفرج ابن الأمير أبي الفتح حسن بن آبي حصينة الشاعر في ذلك : .
أصبحت أحمد في زمانك عزمتي ... وأرى الكبار من الخطوب صغارا .
وأطالت الكفار عندك غيبتي ... حتى حمدت لجلها الكفارا .
ففداك من صرف الزمان معاشر ... لم يدركوا لك في السماح منارا .
لا زلت تعمر كل يوم دارا ... حتى تطيل بعمرك الأعمارا .
عليتها هي والعلاء كأنما ... تبغي بها عند الكواكب ثارا .
داراً ظننا في السماء سماءها ... شرفاً وخلت لها النجوم بحارا .
طرزت أرض الجامعين برفعها ... ونصبتها للطارقين منارا .
السامري الطبيب .
صدقة بن منجا بن صدقة السامري ؛ أحد الأطباء الكبار والفلاسفة وله تصانيف في الحكمة والطب وكان محباً للنظر جيد الفهم قوياً في الفلسفة متقناً لغوامضها وكان يدرس صناعة الطب وينظم الشعر والذوبيت وخدم الأشرف موسى ابن العادل وبقي معه سنين كثيرة في الشرق إلى أن توفي في خدمته في حدود الثلاثين وستمائة وكان يحترمه ويرعاه وله منه الجامكية والهبات المتواترة وخلف لما مات مالاً جزيلاً ولم يكن له ولد . ومن كلامه : للصوم ثلاث درجات : صوم العموم وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة وصوم الخصوص وهو كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنياوية وكفه عما سوى الله تعالى . ومنه : ما كان من الرطوبات الخارجة من الباطن ليس مستحيلاً أو لا له مقر فهو ظاهر كالدمع والعرق والمخاط وأما ما له مقر وهو مستحيل فهو نجس كالبول والروث . وشرح التوراة وله مقالة في الاعتقاد ومقالة في التوحيد وتعاليق في الطب وشرح فصول أبقراط ولم يتم وكتاب النفس . ومن شعره : .
سلوه لم صدني تيهاً ولم هجرا ... وأورث الجفن بعد المرقد السهرا