ألْمِم بقبر فتى غنين قائلاً ... مَا كنت فِي فنّ الهجاء خبيرا .
قَدْ أفلح الحمويّ يوم فراره ... عن سنقرٍ حَتَّى انثنى مكسورا .
قلت : يريد قوله قل لي متى أفلح صاحب حماة فِي أبياته المشهورة .
وتوجّه ابن مهنّا معه ولازمه ونزل بِهِ وبمن معه فِي بريّة الرحبة . فتوجّهت إليه العساكر وضايقته وتوجّه نجدةً لهم الأمير عزّ الدين الأفرم ففارق الكاملُ ابنَ مهنّا وتوجّه إلى الحصون الَّتِي بيد نوّابه وهي صهيون وبلاطنس وبرزية وعكّار وجبلة واللاذقية وشيزر والشغر وبكاس . وَكَانَ قَدْ انهزم يوم الوقعة الحاجّ ازدمر الأمير إلى جبل الجرد وأقام عندهم واحتمى بهم ثُمَّ إنّه مضى إلى خدمة الكامل فِي طائفة من الحلبيّين فأنزله بشيزر يحفظها وطلع الكامل إلى صهيون وَكَانَ قَدْ سيّر أهله إليها وخزائنه وتحرّك فِي البلاد التتار وانجفل الناس أمامهم ونازل عسكر مصر شيزر وضايقوها بلا محاصرة وتردّدت الرسل بينهم وبين الكامل ولمّا دهم التتار البلاد خرج العسكر من دمشق وعليهم الركن أباجو وقدم من مصر بكتاش النجمي فِي ألفن فسيّر هؤلاء إلى الكامل يقولون إنّ العدوّ قَدْ دَهَمَنا وَمَا سببه إلاّ هَذَا الخلف الَّذِي بيننا وَمَا ينبغي هلاك الرعيّة فِي الوسط والمصلحة اجتماعنا عَلَى ردّ العدوّ فنزل عسكر الكامل من صهيون والحاجّ ازدمر من شيزر ونزل المنصور إلى الشام وهادن أهل عكّا وقبض عَلَى جماعة أمراء منهم كوندك بحمراء بيسان وهرب الهاروني والسعدي ونحو ثلاث مائة فارس وخرجوا عَلَى حميّة إلى الكامل ولحقوا بِهِ . وجُهّزت المناجيق لحصار شيزر فتسلّموها ثُمَّ إنّ الرسل تردّت بَيْنَ المنصور والكامل فوقع الصلح بينهما ونودي فِي دمشق لاجتماع الكلمة ودقّت البشائر وعوّضه المنصور عن شيزر بكفر طاب وفامية وأنطاكيّة والسويديّة ودركوش بضياعها عَلَى أن يقيم ستّ مائة فارس عَلَى جميع مَا تَحْتَ يده من البلاد وكوتب بالمقرّ العالي المولوي السيّدي وَلَمْ يُصرّح لَهُ بالملك ولا بالأمير . ثُمَّ فِي جمادى الآخرة من السنة جاءت أخبار التتار فكانت واقعة حمص وحضر الكامل ومن عنده من الأمراء للغزاة وبالغ المنصور فِي احترام الكامل وأبلى الكامل والأمراء فِي ذَلِكَ اليوم بلاءً حسناً وانتصر المسلمون فِي آخر الأمر وعاد المنصور إلى دمشق وَفِي خدمته الأمراء الذين كانوا قَدْ قفزوا إلى الكامل وودّع الكامل المنصورَ من حمص وتوجّه إلى صهيون ولمّا كَانَ فِي المحرّم سنة ستّ وثمانين وستّ مائة حضر طرنطائي من مصر فِي تجمّل زائد وتوجّه بالعساكر إلى حصار الكامل وأخذ صهيون منه وتوجّه حسام الدين لاجين إلى برزية وفتحها عاجلاً وَكَانَ بِهَا خيل للكامل فلما أخذت ضعف الكامل وأذعن لتسليم صهيون بعد حصار شهر بشروط اشترطها والتزم بِهَا طرنطائي وذبّ عنه ذبّاً عظيماً ووفى لَهُ بما اشترطه عَلَى نقل ثقله بجمال وظهر وحضر بعياله ورخته صحبة طرنطائي فأعطاه المنصور إمرة مائةٍ وبقي وافر الحرمة إلى آخر الدولة المنصورية . ولمّا كان فِي آخر سنة إحدى وتسعين وستّ مائة أمسكه الملك الأشرف صلاح الدين وخُنق معتقلاً C تعالى . وَكَانَ رنكه جاخ أسود بَيْنَ أبيضين ثُمَّ فوقه وتحته أحمران . وفيه يقول كمال الدين ابن العطّار وَقَدْ تسلطن بدمشق من الطويل : .
أتى الأشقرّ المُلْكُ الَّذِي بّشرتْ بِهِ ... مَلاحمُ من قيل الأعاريب والفُرسِ .
سيَبْلُغُ أقصى الشرّقِ والمغرب ملكهُ ... ألم ترَ أنّ الشرقَ والغربَ للشمسِ .
ولمّا جرّت المجانيق إلى حصاره بصهيون قال الوداعي ومن خطّه نقلت من الخفيف : .
جَلَبَ المسلمون غَلّةَ غِلٍّ ... مشتريها المغبون والمخذولُ .
عرضوا عينها بعرضة صهيو ... ن وَكَانَ الكيّال عزرائيلً .
فاستعاضوا عنها الشهادة نقداً ... والنسيّات فِي الجنان المقيلُ .
سنقر الأمير