وأمّا الدعوة النزاريّة : فهي نسبة إلى نزار بن المستنصر بالله معدّ بن الظاهر عليّ بن الحاكم العبيدي وَكَانَ نزار قَدْ بايع لَهُ أبوه وبثّ الدعاة لَهُ فِي البلاد منهم صبّاح الدعوة وَكَانَ ذا سمت ووقار ونسك وذلق فدخل الشام والسواحل فلم يتمّ لَهُ مراد . فتوجّه إلى بلاد العجم وتكلّم مع أهل الجبال والغتم والجهلة وقصد قلعة أَلَموت وهي حصينة وأهلها ضعاف العقول فقراء وفيهم قوّة فقال لهم : نحنُ قوم زهّاد نعبد الله فِي هَذَا الجبل ونشتري منكم نصف هَذِهِ القلعة بسبعة آلاف دينار ! .
فباعوه إيّاها وأقام بِهَا هو وجماعته فلماّ قوي استولى عَلَى الجميع وبلغ عدّة قومه ثلاث مائة ونيفاً واتّصل بمَاِك تِلْكَ الناحية أنّ ههنا قوماً يفسدون عقائد الناس وهم فِي تزيّد فجاء إليهم ونزل عليهم وأقبل عَلَى سكره ولذّاته فقال رجل من قوم صبّاح اسمه عليّ اليعقوبي : أي شيء لي عندكم إن أنا كفيتكم مؤونة هَذَا العدّو ؟ قالوا : نذكرك فِي تسابيحنا ! .
قال : فنزل من القلعة ليلاً وقسم الناس أرباعاً فِي نواحي العسكر ورتّب معهم طبولاً وقال : إذا سمعتم الصباح فاضربوا الطبول ! .
ثُمَّ انتهز الفرصة من عزّة الملك وهجم عَلَيْهِ فقتله فصاح أصحابه فقتل الخواصّ عليّاً وضرب أولئك بالطبول فأرجفوا الجيش وهجموا عَلَى وجوههم وتركوا الخيام وَمَا فِيهَا فنقلوا الجميع إلى القلعة وصار لهم أموال وسلاح واستفحل أمرهم .
وأمّا نزار فخافت عمّته منه فعاهدت أعيان الدولة عَلَى قتله وتولىّ أخوه الأمر وصار أهل الألَموت يدعون لنزار وأخذوا قلعةً أخرى وتسرع أهل الجبل من الأعجام إلى الدخول فِي دعوتهم وباينوا المصريّين لكونهم قتلوا نزاراً وبنوا قلعةً ثالثةً واتّسعت بلادهم وأظهروا شغل الهجوم بالسكاكين عَلَى الملوك سُنّة اليعقوبي فارتاع منهم الملوك وصانعوهم بالتحف والهدايا وبعثوا داعياً من دعاتهم فِي الخمس مائة أَو مَا بعدها إلى الشام يعرف بأبي محمّد فملك بعد أمور جرت لَهُ قلاعاً من جبل السُماق وَكَانَتْ فِي يد النصيريّة وقام بعده سنان هَذَا . ولمّا طال انتظار نزار عَلَى القوم الذين دعاهم صبّاح قال : إنّه بَيْنَ أعداءٍ وبلادِ شاسعة ولا يمكنه السلوك وَقَدْ عزم عَلَى القدوم خفيّة فِي بطن حامل ويجيء سالماً ويستأنف الولادة . فرضوا بذلك . ثُمَّ إنّه أحضر جاريةً مصريّةً قَدْ أحبلها وقال : قَدْ اختفى فِي بطن هَذِهِ ! .
فأخذوا بعظّمونها ويتخشّعون فولدت ولداً فسمّاه حسناً .
فلمذا تسلطن خوارزم شاه محمّد بن تكش وفخم أمره قصد بلادهم وَقَدْ حكم عليهم بعد الصبّاح ابنه محمّد ثُمَّ بعده الحسن بن محمّد بن صبّاح فرأى الحسن من الحزم التظاهر بالإسلام وذلك فِي سنة سبع وستّ مائة فادّعى أنّه رأى عليّاً فِي النوم وَقَدْ أمره بإعادة شعار الإسلام من الصلاة والصيام والأذان وتحريم الخمر وقال لقومه : أليس الدين لي ؟ قالوا : بلى ! .
قال : فتارةً أرفع التكاليف وتارةً أضعها فأطاعوه . فكتب بذلك إلى بغداد والنواحي وأدخل بلاده الفقهاء والمؤذنين وجاء رسوله ونائبه صحبه رسول الخليفة الملك الظاهر إلى حلب بأن يقتل النائب الأوّل ويقيم هَذَا النائب لَهُ عَلَى القلاع الَّتِي لهم بالشام فأكرمهم الظاهر وخلصوا بإظهارهم الإسلامَ من خوارزم شاه . ومن شعر سنان المذكور من السريع : .
ألجأني الدهرُ إلى معشرِ ... مَا فيهِم للخير مستمتعُ .
إن حدّثوا لَمْ يُفهِموا سامعاً ... أو حُدِّثوا مَجّوا وَلَمْ يسمعوا .
تقدّمي أخّرني فيهِم ... مَنْ ذَنْبُه الإحسان مَا يصنعُ .
قال كمال الدين ابن العديم : أنشدني بهاء الدين الحسن بن إبراهيم بن الخشّاب قال : أنشدني شيخ من الإسماعيليّة قال : أنشدني سنان لنفسه من السريع : .
مَا أكثَر الناسَ وَمَا أقلّهم ... وَمَا أقلّ فِي القليل النُجَبا .
لَينَهُمُ إذ يكونوا خُلِقوا ... مهذّبين صحبوا مهذّبا .
وكتب إلى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب جواباً من البسيط : .
ياذا الَّذِي بِقراع السيفِ هدَّدَني ... لا قام مصرع جنبٍ أنت تصرعُهُ .
قام الحمامُ إلى البازي يهدِّدُه ... وكشرّتْ لأُسِود الغابِ أضبُعُهُ