سليمان بن مهنّا بن عيسى الأمير علم الدين أمير العرب . قَدْ مرّ ذكر أخيه أحمد وسيأتي ذكر أخيه موسى وذكر والده مهنّا فِي حرف الميم مكانيهما إن شاء الله تعالى . وهو شقيق أخيه أحمد . كَانَ من الشجعان الأبطال يخشاه المغل والمسلمون . ويأكل إقطاع صاحب مصر وإقطاع ملك المغل . وَلَمْ يزل لَهُ بالبلاد الفراتيّة نوّاب وشحانيّ يستخرجون لَهُ الأموال من هيت والحديثة والأنبار وعانة وَكَانَ قَدْ توجّه مع الأمير شمس الدين قراسنقر إلى بلاد التتار وأقام هناك سبع عشرة سنة وجاء مع خربند إلى الرحبة وَكَانَ مع المغل . ثُمَّ جاء إلى بلاد الإسلام سنة ثلاثين وسبع مائة أو مَا قبلها بقليل . وَكَانَ إخوته وأبوه وعمّه فضل يرفدونه بالذهب وغيره ويخوّفونه من السلطان الملك الناصر محمّد بن قلاوون ويحذرونه من الوقوع فِي بده وأخذوا يتعيّشون بِهِ عَلَى السلطان ويُمَنُّونه فلمّا فهم ذَلِكَ سليمان ركب بغير علمهم وَمَا طلع خبره إلاّ من مصر . فقيل لَهُ فِي ذلك فقال : هؤلاء يأخذون الإقطاعات والإنعامات بسببي من السلطان وخيار من فيهم يسير لي مائتين دينار فإذا رحت أنا للسلطان زال هذا كله فأقبل عليه السلطان وأمر لَهُ بإقطاع يعمل لَهُ مبلغ أربع مائة ألف درهم وأنعم عَلَيْهِ بمائتي ألف درهم . وَلَمْ يزل كذلك إلى أن توفيّ أخوه الأمير مظفّر الدين موسى بالقعرة فُجاءةً فِي جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة وَكَانَتْ تِلْكَ فِي فتنة الفخري والطنبغا وهو مع الطنبغا عَلَى حلب فقال لَهُ أنا أتوجّه إلى الفخري فجهّزه إليه فجاء إلى الفخري وهو نازلٌ عَلَى خان لاجين بظاهر دمشق وتحيّز إليه وتوجّه إلى الناصر أحمد بالكرك ورسم لَهُ بالإمارة عِوّضَ أخيه موسى . فاستقلّ بإمرة آال فضل إلى أن توفيّ بسلميّة ظهر الاثنين خامس عشرين شهر ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وسبع مائة ورسم الصالح بالامرة ليعث بن فضل واعتقل احمد بن مهنّا عَلَى مَا مّر فِي ترجمته بالأحمدين . وَكَانَ علم الدين سليمان المذكور مفرط الكرم حكى لي الأمير حسام الدين لاجن الغتمي النائب بالرحبة قال : كنت والي البرّ بالرحبة وَكَانَ سليمان بن مهنّا قَدْ أغار عَلَى قَفلٍ فأخذه فِي البرّية وجاء إلى الرحبة فجهّزتُ إليه رأس غنم وأحضرت لَهُ من سنجار حمل شراب فلمّا أكل من الكبش وشرب قليلاً قال لي : يَا حسام خُذْ لَكَ هَذِهِ الفردة ! .
فأخذتها فوجدتها ملأى قماشاً إسكندرانياً قال : فبعتُ مَا فِيهَا بمبلغ تسعين ألف درهم .
أبو الربيع ابن سالم .
سليمان بن موسى بن سالم بن حسّان الحميري الكلاعي الأندلسي البالنسي الحافظ الكبير . ولد فِي شهر رمضان سنة خمس وستّين وخمس مائة وتوفيّ سنة أربع وثلاثين وستّ مائة كَانَ بقيّة أعلام الحديث ببلنسيّة . عني أنمّ عناية بالتقييد والرواية وَكَانَ إماماً فِي صناعة الحديث بصيراً بِهِ حافظاً حافلاً عارفاًبالجرح والتعديد ذكراً للمواليد والوفيات يتقدّم أهل زمانه فِي ذَلِكَ وَفِي حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخّر من زمانه وعاصره . وكتب الكثير وَكَانَ الخطّ الَّذِي يكتبه لا نظير لَهُ فِي الإتقان والضبط مع الاستبحار فِي الأدب والإشتهار بالبلاغة فرداً فِي إنشاء الرسائل مجيداً فِي النظم . وَكَانَ هو المتكلم عن الملوك فِي مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه فِي المحافل عَلَى المنبر . ولي خطابة بلنسيّة . وَلَهُ تصانيف مفيدة فِي عدّة فنون : ألف الاكتفاء فِي مغازي رسول الله A والثلاثة الخلفاء فِي أربع مجلّدات وَلَهُ كتاب حافل فِي معرفة الصاحابة والتابعين لَمْ يكمله وكتاب مصباح الظلم . يشبه الشهاب وكتاب فِي أخبار البخاري وسيرته وكتاب الأربعين سوى مَا صنّف فِي الحديث والأدب والخطب . ومن شعره من الكامل : .
أشجاه مَا فعل العِذارُ بخدِّه ... قلبي شجا وهواي فِيهِ هيّجا .
مَا رابه والحسنً يمزج وَردَه ... آساً ويخلط بالشقيق بَنَفْسَجا .
ولقد علمتُ بأنَّ قَلْبي صائرٌ ... كُرؤَةً لصدغيه غَداةَ تَصَوْلجا .
ومنه من الطويل : .
ولمّا تَحَلَّى خَدُّه بِعِذارِه ... تسلّوا وقالوا ذَنبُه غيرُ مغفورِ