إذا رأوا جَمَلاً يأتي عَلَى بُعدٍ ... مَدّوا إليه جميعاً كَفَّ مقتنصِ .
إن جئتَهم فارغاً لَزُّوك فِي قَرّنٍ ... وإن رَأوا رشوةً أفْتوك بالرُخَصِ .
ومنه فِي قوم انتسبوا إلى كلبٍ وهم من جراوة من الوافر : .
خرجتم من جِراوةَ ثُمَّ قلتم ... جراوة فِي التناسخ من كلابِ .
صدقتم لَيْسَ فيكم غير كلبٍ ... ومن تَلِدون أبناء الكلابِ .
ومنه وَقَدْ خرجوا ليستسقوا عَلَى أثر قحط فِي يوم غامت سماؤه فزال ذَلِكَ عند خروجهم من الكامل : .
خرجوا ليستسقوا وَقَدْ نَشَأتْ ... بحريّة قمنٌ بِهَا السحُّ .
حتّى إذا اصطفّوا لدعوتهم ... وبد لأعينهم بِهَا نضحُ .
كُشِفَ الغمامُ إجابةً لَهُمُ ... فكأنمّا خرجوا ليستصّحوا .
قلت : أورده ابن الأبّار فِي تحفة القادم لابن الطرواة . وقال جعفر ابن الزبير : لَيْسَ هذا من شعره هَذَا أقدمُ منه . ابن الأبّار : هكذا وجدت هَذِهِ الأبيات منسوبةً إليه وَقَدْ سبقه إلى معناها أبو عليّ المحسن ابن القاضي أبي القاسم عليّ بن أبي الفهم التنَوخي صاحب كتاب الفرج بعد الشدّة فِي قوله من الطويل : .
خرجنا لنستسقي بيمن دعائه ... وَقَدْ كاد هدب الغيم أن يلبس الأرضا .
فلمّا ابتدا يدعو تقشّعت السما ... فما تمّ إلاّ والغمامُ قَدْ ارفضا .
قلت : الحلاوة الَّتِي فِي قول الأوّل : فكأنمّا خرجوا ليستصحوا ليست فِي قول الثاني وفيه يقول أبو الحسن عليّ بن عبد الغني الحصري من المتقارب : .
ولابنِ طاوةَ نحوٌ طريٌّ ... إذا شمّه الناس قالوا خَرِي .
الكافي قاضي الكرج .
سليمان بن محمّد بن حسين بن محمّد أبو سعد البلدي المتكلّم المعروف بالكافي الكرجي . قاضي الكرج بالجيم . برع فِي الفقه والأصول والخلاف واشتهر بحسن الإيراد وقوّة المناظرة والتحقيق . وقدم بغداد وبحث مع أسعد الميهني . توفيّ سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة .
غياث الدين سليمان شاه .
سليمان بن محمّد بن ملك شاه بن ألب أرسلان السلجوقي المدعوّ شاه أخو السلطان مسعود . قدم بغداد أيّام المقتفي وخطب لَهُ بالسلطنة عَلَى منابر العراقي ونثر عَلَى الخطباء الذهب ولُقّب غياث الدنيا والدين وأُعطي الأعلام والكوسات وخرج متوّجاً نحو الجبل . فلقي ملكشاه بن محمّد وجرت بينهما حرب نصر فِيهَا سليمان . وعاد إلى بغداد عَلَى طريق شهرزور فخرج إليه عسكر من الموصل فظفروا بِهِ وحُبس إلى أن مات فِي حدود الخمسين وخمس مائة ؛ هكذا ذكره الشيخ شمس الدين فِي حدود الخمسين . ثُمَّ جاء فِي سنة ستّ وخمسين وخمس مائة فقال : سليمان شاه ابن السلطان محمّد ابن السلطان ملكشاه السلطان السلجوقي كَانَ فاسقا مدمن الخمر أهوج أخرق . قال ابن الأثير : شرب الخمر فِي شهر رمضان نهاراً وَكَانَ يجمع المساخر ولا يلتفت إلى الأمراء فأهمل الأمراء والعسكر أمرّه ولا يحضرون بابه وَكَانَ قَدْ ردّ الأمور إلى الخْادم شرف الدين كرد بار أحد مشائخ الخدّام السلجوقيّة وَكَانَ يرجع إلى دين وعقل فاتّفق أنّ السلطان شرب يوماً بظاهر همذان فحضر عنده كردبار فكشف لَهُ بعض المساخر عن سَوْءته فخرج مغضباً ثمّ إنّه بعد أيّام عمد إلى مساخر سليمان شاه فقتلهم وقال : إنمّا فعلت هَذَا صيانةً لملك ! .
فوقعت الوحشة ثُمَّ إنّ الخادم عمل دعوةً وحضرها السلطان فقبض الخادم على السلطان بمعونة الأمراء وعلي وزير محمود بن عبد العزيز الجامدي فِي شوّال سنة خمس وخمسين وقتلوا الوزير وجماعةً من خاصّة سليمان شاه وحبسه فِي قلعة ثُمَّ بعث مَن خنقه فِي شهر ربيع الآخر سنة ستّ وخمسين وخمس مائة وقيل : بل سمّه انتهى . قلت : والظاهر إنّ هَذَا هو الأوّل .
الصاحب فخر الدين ابن الشيرجي