وهذا أحسن من الأول وأخذه جمال الدين ابن نباتة فقال من البسيط : .
وانْظُرْ إلى الخالِ فَوْقَ الثغرِ دون لمىً ... تجدْ بلالاً يراعي الصبح فِي السحرِ .
ومن شعر عفيف الدين التلمساني من قصيدة من الطويل : .
كأنّ الأقاحِي والشقيقُ تقابلا ... خُدودٌ جلاهنّ الصِبّى ومباسمُ .
كأنَّ بِهَا للنرجس الغَضِّ أعْيُناً ... تَنَبَّهَ منها البَعْضُ والبَعْضُ نائمُ .
كأنَّ ظِلال القُضْبِ فوقَ غَديرِها ... إذا اضطربَتْ تَحْتَ الرِياحِ أراقِمُ .
كأنَ عِناء الورق ألحانُ مَعبَدٍ ... إذا رقصتْ تِلْكَ القُدود النواعمُ .
كأنّ نِثار الشمس تَحْتَ غُصونِها ... دنانيرُ فِي وقتٍ داراهمُ .
كأنّ بِهَا الغُدرانَ تَحْتَ جداولٍ ... مُتونُ دُروعٍ أُفرغتْ وصوارمُ .
كأنّ ثِماراً فِي غصونٍ تَوَسْوَسَتْ ... لعارضِ خفّاقِ النسيم تمائمُ .
كأنّ القُطوف الدانياتِ مواهبٌ ... ففي كلّ غُصْنٍ ماسَ فِي الدَوحِ ماتَمُ .
قلت : شعر جيّد إلى الغاية . وَقَدْ جمعتُ ديوانه ورتَبته عَلَى الحروف مقفى عَلَى الرفع والنصب والجرّ والسكون .
زين الدين الحافظي الطيب .
سليمان بن عليّ زين الدين ابن المؤيد خطيب عقرباء الحافظي . قال ابن أبي أصيبعة : اشتغل بالطبّ عَلَى الحكيم مهذّب الدين عبد الرحيم بن عليّ وحصّا العلم والعمل وأتقن الفصول والجمل وخدم بالطبّ الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن لأبي بكر بن أيّوب وَكَانَ يومئذ صاحب قلعة جعبر . وأقام فِي خدمته وتمّيز عنده وأجزل رفده وخوّله فِي دولته واشتمل عَلَيْهِ . وَكَانَ زين الدين يعاني الأدب والشعر والكتابة الحسنة وَكَانَ يعاني الجنديّة وداخل أولاد الملك الحافظ وصار حظيّاً مكيناً فِي دولتهم . ولمّا مات الحافظ وتسلّم الملك الناصر يوسف بن محمد بن غازي صاحب حلب قلعة جعبر بمراسلات كَانَ فِيهَا زين الدين الحافظي وانتقل زين الدين إلى حلب وصارت لَهُ عند الملك الناصر يد ومنزلة رفيعة . وتزوّج زين الدين بابنه رئيس حلب واقتنى أموالاً كثيرةً . ولما ملك الناصر دمشق وصل معه إلى دمشق وصار مكيناً فِي دولته ولذلك قلت فِيهِ من الطويل : .
ولا زال زين الدين فِي كلّ منصبٍ ... لَهُ فِي سماء المجد أعلى المراتبِ .
أميرٌ حَوَى فِي العِلمِ كُلَّ فَضيلةٍ ... وفاق الوَرَى فِي رأيِه والتجاربِ .
إذا كَانَ فِي طبٍّ فصَدرُ مجَالِسٍ ... وإن كَانَ فِي حربٍ فقَلْبُ الكتائبِ .
ففي السِلم كم أحيى وليّاً بِطِبِّه ... وَفِي الحرب كم أفتى العدى بالقواضيِ .
وَلَمْ يزل عند الناصر بدمشق إلى أن جاءت رسل التتار يطلبون البلاد ويشترطون عَلَيْهِ يحمله من المال إليهم . فبعث الناصر زينَ الدين رسولاً إلى هولاكو فأحسن إليه واستماله فصار من جهته ومازج التتار وتردّد فِي المراسلات مرّات وأطمع التتار فِي البلاد وهوّل عَلَى الناصر أمرهم وعظّم شأنهم ووصف عساكرهم وصغّر شأن الناصر ومن عنده من العساكر حَتَّى أوقفه عن الحرب .
فلمّا جاءت التتار إلى حلب ونازلها هولاكو قريباً من شهر هرب الناصر من دمشق إلى مصر وخرجت عساكر مصر وملكها قطر . فانكسر الناصر وملكت التتار دمشق وصار زين الدين بأمر بِهَا وينهي وبقي معه جماعة حَتَّى كانوا يدعونه الملك زين الدين . ولمّا كُسر التتار عَلَى عين جالوت وانهزم ملك التتار ومن معه من دمشق توجّه زين الدين الحافظي معهم خوفاً عَلَى نفسه من المسلمين قال الرشيد الفارقي : كنت أقابل معه صحاح الجوهري فلمّا أمّروه قلت وأنشدته من الخفيف : .
قبلَ لي الحافظيُّ قَدْ أمَروه ... قُلتُ مازال بالعَلاءِ جَديرا .
وسليمان من خصائصه المُل ... كُ فلا غَزْوَ أن يكونَ أميراً