سليمان بن عليّ بن عبد الله بن علي بن ياتِينَنّ بياء آخر الحروف وبعد الألف تاء ثالثة الحروف مكسورة وياء أخرى ساكنة ونونين الثانية مشدّدة الشيخ الأديب البارع عفيف الدين التلمساني . كَانَ كوفي الأصل وَكَانَ يدّعي العرفان ويتكلّم فِي ذَلِكَ عَلَى اصطلاح القوم قال قطب الدين : رأيْتُ جماعة ينسبونه إلى رقّة الدين والميل إلى مذهب النصيريّة . وَكَانَ حسن العشرة كريم الأخلاق لَهُ حرمة ووجاهة . وخدم فِي عدّة جهات بدمشق . قال الشيخ شمس الدين : خدم فِي جهات المكس وغيرها كتب عنه بعض الطلبة وَكَانَ يتّهم بالخمر والفسق والقيادة وحاصل الأمر أنّه من غلاة الاتحّاديّة . وذكره شمس الدين الجزري فِي تأريخه وَمَا كأنه عرف حقيقة حاله وقال : عمل أربعين خلوةً فِي الروم يخرج من واحدة ويدخل فِي أخرى قال الشيخ شمس الدين : هَذَا الكلام فِيهِ مجازفة ظاهرة فإنّ مجموع ذَلِكَ ألف وستّ مائة يوم قال : وَلَهُ فِي كلّ علم تصنميف وَقَدْ شرح الأسماء الحسنى وشرح مقامات النِفَّري . وحكى بعضهم قال : طلعْتُ إليه يوم قُبض فقلت لَهُ : كَيْفَ حالك ؟ قال : بخير من عرف الله كَيْفَ يجافه ؟ والله منذ عرفته مَا خفته وأنا فرحان بلقائه ! .
قال الشيخ شمس الدين : وحكى تلميذه البرهان إبراهيم الفاشوشة قال : رأيت ابنه فِي مكان بَيْنَ يدي ركبداريّة وذا يكبّس رجليه وذا يبوسه فتألمّتُ لذلك وانقبضت ودخلت إلى الشيخ وأنا كذلك فقال : مَا لَكَ ؟ فأخبرته بالحال الَّذِي وجدت ولده محمّداً عَلَيْهِ قال : أفرأيته فِي تِلْكَ الحال منقبضاً أو حزيناً ؟ قلت : سبحان الله ! .
كَيْفَ يكون هَذَا ؟ بل كَانَ أسرّ مَا يكون فهّون الشيخ عليّ وقال : لا تحزن أنت إذا كَانَ هو مسروراً فقلت : يَا سيّدي ؛ فرَجتَ عنيّ وعرفْتُ قدر الشيخ وسعته وفتح لي باباً كنت عنه محجوباً قلت : وحكى لي عنه الشيخ محمود بن طيّ الحافي قال : كَانَ عفيف الدين يباشر استيفاء الخزانة بدمشق أو الشهادة فحضر الأسعد بن السديد الماعز إلى دمشق صحبة السلطان الملك المنصور فقال لَهُ يوماً : يَا عفيف الدين أريد منك أن تعمل لي أوراقاً بمصروف الخزانة وحاصلها وأصلها عَلَى عادة يطلبها المستوفي من الكتاب ! .
فقال : نعم ! .
فطلبها مرّةً ومرّةً وهو يقول : نعم ! .
فقال لَهُ فِي الآخر : أراك كلّما أطلب هَذِهِ الأوراق تقول لي : نعم وأغلظ لَهُ فِي الكلام فغضب الشيخ عفيف الدين وقال لَهُ : والك لمن تقول هَذَا الكلام يَا كلب يَا ابن الكلب يَا خنزير ! .
ولكن هَذَا من عجز المسلمين وإلا لو بصقوا عَلَيْكَ بصقةً لأغرقوك ! .
وشقّ ثيابه وقام بهمّ بالدخول إلى السلطان فقام الناس إليه وقالوا : هَذَا مَا هو كاتب وهو الشيخ عفيف الدين التلمساني وهو معروف بالجلالة والإكرام بَيْنَ الناس ومتى دخل إلى السلطان آذاك عنده . فسألهم ردّه وقال : يَا مولانا مَا بقيت أطلب منك لا أوراقاً ولا غيرها أو كما قال . قال لي الشيخ أثير الدين المذكور : أديب جيّد النظم وَكَانَ كثير التقلّب تارةً يكون شيخ صوفيّة وتارةً يعاني الخدم . قدم علينا القاهرةَ ونزل بخانكاة سعيد السعداء عند صاحبه شيخها إذ ذَاكَ الشيخ شمس الدين الأيكي وَكَانَ منتحلاً فِي أقواله وأفعاله طريقة ابن عربي صاحب عنقاء مغرب انتهى . توفيّ عفيف الدين سنة تسعين وستّ مائة . وأنشدني من لفظه جمال الدين محمود بن طيّ الحافي قال : أنشدني عفيف الدين التلمساني لنفسه وَكَانَ يصحبه كثيراً ويحفظ غالب ديوانه من الطويل : .
وَقَفْنا عَلَى المَغْنى قَديماً فما أَغْنَى ... ولا دَلَّتِ الألفاظُ مِنْه عَلَى مَعْنَى .
وكم فِيهِ أمْسَينا وبِتنا بِرَيْعِهِ ... حَيَارى وأصبحنا حيارى كما كُنّا .
ثملْنا وملْنا والدموعُ مدامُنا ... ولولا التصابي مَا ثملنا ولا ملنا .
فلم نرَ للغِيدِ الحِسانِ بِهِمْ سناً ... وهم من بدور التمّ فِي حسنها أسْنى .
نُسائِلُ باناتِ الحمى عن قدودهم ... ولا سيمّا فِي لينها البانةَ الغنّا .
ونَلْثِمُ تربَ الأرضِ أن قَدْ مشت بِهِ ... سُلَمْى وَلُبْنى لا سُلَيمَى ولا لَبْنى .
فوا أسفا فِيهِ عَلَى يوسف الحمى ... ويعقوبه تبيضُّ أعْيُنُهُ حُزْنِا