سليمان بن داود بن سليمان بن عبد الحقّ الشيخ الإمام الفاضل الفقيه الأديب صدر الدين أبو الربيع ابن الشيخ ناصر الدين الحنفي سألته عن مولده فقالت : سنة سبع وتسعين وستّ مائة قرأ القرآن عَلَى الشيخ مبشّر الضرير وختمه وسمع الحديث من أشياخ عصره مثل الحجار ابن تيميّة والمزّي وغيرهم . وقرأ المنظومة عَلَى عمّه قاضي القضاة برهان الدين ابن عبد الحقّ الحنفي وحفظها . وأذن لَهُ فِي الإفتاء وأذن لَهُ أيضاً القاضي جلال الدين ابن قاضي القضاة حسام الدين الحنفي ورأيتُ خطّهما بذلك . وقرأ ألفيّة ابن معطي وحفظ النكت عَلَى الحسان فِي النحو وعرضها عَلَى مصنّفها شيخنا العلاّمة أثير الدين أبي حيّان وكتب لَهُ عَلَيْهَا بذلك وأجازه وعلّق عَلَيْهَا حواشي من أوّلها إلى آخرها بخطّة من كلام الشيخ . وبحث فِي الأصلين عَلَى الشيخ صفي الدين الهندي بدمشق وَعَلَى الشيخ تاج الدين ابن السبّاك ببغداد . وقرأ تلخيص المفتاح عَلَى الخيلخاني ودخل بغداد سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة واجتمع بفضلائها وسافر إلى خراسان والريّ . وعاد إلى ماردين . ثُمَّ إنَّه ردّ إلى القاهرة ثانياً وَكَانَ قَدْ دخلها أوّلاً مع عمّه قاضي القضاة برهان الدين ابن عبد الحق .
وَكَانَ يقرأ لَهُ الدرُوس فِي مدارسه وأذن لَهُ فِي الإفتاء وانفرد هو بتدريس الديليميّة فِي القاهرة وحضر درسه فِي أوّل يوم قاضي القضاة جلال الدين القزويني وبقيّة القضاة ودخل إلى اليمن سنة خمس وأربعين وسبع مائة بعدما مَا حجّ واجتمع بصاحب اليمن . فأقبل عَلَيْهِ إقبالاَ كثيراً وأنِس بِهِ وأحسن إليه وفوّض إليه نظر المغاص والخاص الحلال ونظر الأوقاف . ورأيتُ خطّ السلطان الملك المجاهد صاحب اليمن إليه فِي عدّة أوراق بآداب كثيرة ولطف زائد وخوّله نعماً أثيلة . وباشر عندهم ثمّ إنَّه تزوّج بابنه الوزير وحجّ صُحبةً الملك المجاهد صاحب اليمن فِي سنة إحدى وخمسين وسبع مائة . فجرت لهم تِلْكَ الأحوال عَلَى جبل عرفات ونهبوهم أخبرني قال : عُدم لي فِي البرّ والبحر مَا قيمته خمسة وعشرون ألف دينار .
ونظم الشعر جيّداً وجوّد المقاطع وتعدت معه فِيهَا التورية والاستخدام وصناعة البديع . وجوّد فنون الشعر من الموشّح والزجل والموليا وغير ذَلِكَ . وهو حسن الشكل تامّ القامة حلو الوجه رأيته غير مرّة واجتمعت بِهِ بالقاهرة وبدمشق فرأيته لطيف الأخلاق جميل العشرة فِيهِ مكارم وأريحيّة وكيس ودمانة وأنشدني من لفظه لنفسه كثيراً فمن ذَلِكَ قوله وهو ممّا أنشدنيه لنفسه بالقاهرة سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة من الكامل : .
أيْرِى كبيرٌ والصَغيرُ يقول لي ... إطعَنْ حَشايَ بِهِ وَكُنْ صَنديدا .
نَادَيْتُ هَذَا لا يَجُوزُ فقال لي ... عِنْدي يَجُوزُ فَنِكْتُهُ تَقْليدا .
وأنشدني بالشأم فِي سنة اثنتين وخمسين وسبع مائة من الطويل : .
طَفا نيلُ مصرَ حِينَ غَرَّقَ أهلّها ... وَقَدْ أجْرَموا بِالفِعلِ والقالِ والقيلِ .
ويَبْعَثُهُم يومَ القيامةِ رَبُّهُم ... ويَحْشُرُهُم فِي النارِ زُرْقاً من النِيلِ .
وأنشدني أيضاً من المنسرح : .
عَشِقْتُ يَحْيَى فَقالَ لي رَجُلٌ ... لَمْ يُبقِ فيك الفراقُ من بُقْيا .
تَعْشَقُ يَحْيَى تَموتُ قُلْتُ لَهُ ... طُوبَى لِصَبِّ يَموتُ فِي يَحْيى .
وأنشدني أيضاً من الطويل : .
ونادِي دِمَشق كَمْ يُنادِي بأهِلِهِ ... ألا جادِلوا بالشّرَّ وَاهْووا لهِاوِيَهْ .
حَكى كَربَلا يَومَ الحُسينَ وَلَمْ يَزَلْ ... يَزيدُ كِلاباً والكِلابُ مُعاوِيَهْ .
وأنشدني لَهُ أيضاً من البسيط : .
قال حَبيبي زُرْني ولكِنْ ... يَكونُ فِي آخِرِ النَهارِ .
قلتَ أُداري الوَرى وآتي ... لأيّ دارٍ فقالَ داري .
وأنشدني أيضاً من الخفيف : .
طالَ حَكَي وَعِندمَا ... قُلتُ خَذْهُ لِوَقْتِهِ .
ضَرَطَ العِلْقُ ضَرْطةً ... دَخَل الأيرُ فِي استِهِ .
وأنشدني أيضاً من المجتثّ : .
سَمَوتُ إذ كَلَّمَتْني ... سُلْمَى بِغَيِرْ رؤِسالهُ .
وقال صَحبي تَنبَّا ... وَكَلَّمَنْهُ الغزالهْ