حتّى إذا نطق الناقوس بينهمُ ... مُزَنَّرُ الخَصِرْ روميّ القرابينِ .
يرى المدامةَ دِيناً حبّذا رَجُلٌ ... يعُدُّ لَذَّةَ دنياه من الدينِ .
فَحَثَّ أقداحها بيض السوالف فِي ... حُمرِ الغلائلِ فِي خُضر الرياحينِ .
كأنّها وبياض الماء يقرعها ... وَرْدٌ تصافحه أوْراقُ نسرينِ .
قال الخالديّان : قَدْ نازعه فِي أبيات منها جماعةٌ من شعرائنا . لمّا بلغ السري الرفّاء أنّ الخالدّيين يريدان العود إلى بغداد فِي أيام المهلّبي كتب إلى أبي الخطّاب المفضل بن ثابت الصابئ من الكامل : .
بَكَرَتْ عَلَيْكَ مُغيرةُ الأعراب ... فأحفظ ثِيابَك يَا أبا الخطابِ .
وَرَدَ العِراقَ ربيعةٌ بن مُكَدَّمٍ ... وعُتيبةُ بنُ الحارث بن شِهابِ .
أفعندنا شَكٌّّ بأنهّما هما ... فِي الفَتْكِ لا فِي صِحّةِ الأنْسابِ .
جلبا إليك الشعرّ مِن أوْطانِهِ ... جَلْبَ التجارِ طرائفَ الأجلابِ .
فبدائعُ الشعراء فيما جهّزا ... مقرونةٌ ببدائعِ الكُتابِ .
شَنّا عَلَى الآداب أقْبَحَ غارةٍ ... جَرَحَتْ قُلوبَ محاسِنِ الآدابِ .
فحذارِ مِن حَرَكاتِ صِلَّيْ قَفرةٍ ... وحَذارِ مِن حَرَكاتِ لَيْشَي عابِ .
لا يَسْلُبانِ أخا الثَراءِ وإنمّا ... يَتَنَاهَبانِ نَتَائِجَ الألْبابِ .
إنْ عَزَّ مَوجودُ الكَلامِ عليهما ... فأنا الَّذِي وَقَفَ الكًلامُ بِبابي .
أو يَهْبطا مِنْ ذلّتي فأنا الَّذِي ... ضِرُبتْ عَلَى الشَرَفِ الرفيعِ قبابي .
كم حاوَلا أمَدي فطال عليهما ... أن يُدرِكا إلا مَطارَ تُرابي .
عجزا ولن يقف العبيد إذا جَروا ... يوم الرهان مَواقِف الأربابِ .
ولقد حَميتُ الشعرَ وَهْوَ لِمَعْشَرٍ ... رمم سِوى الأسماءِ والألقابِ .
وضربتُ عنه المدّعين وإنمّا ... عَنْ حَوْزَةِ الآداب كانَ ضرابي .
فغدت نبيط الخالدية تدعي ... شعري وترفل في حبير ثيابي .
قَومٌ إذا قصدوا الملوكَ لِمَطْلَبٍ ... نُفِضَتْ عمائِمُهُم عَلَى الأبْوابِ .
مِنْ كُلِّ كَهْلٍ نستطير سِبالُه ... لَوْنَينِ بَينَ أنامِلِ البوّابِ .
مُغْضٍ عَلَى ذلّ الحِجابِ يرُدُّهُ ... دَامِي الجَبين تجهُّمُ الحُجابِ .
ومُفَوَّهين تَعَرَّضا لجرايتي ... فَتَعَرَّضَتْ لَهُما صُدورُ حِرابي .
نظرا إلى شِعْري يَرُوقُ فترّبا ... مِنه خُدودَ كواعبِ أتْرابِ .
شِرَباهُ فَاعْتَرَفا لَهُ بِعُذوبةٍ ... وَلَرُبَّ عذبٍ عادَ سَوْطَ عَذابِ .
فِي عارَةٍ لَمْ تَنْثَلِم فِيهَا الظِبا ... ضَرْباً وَلَمْ تَنْدَ القنا بِخِضّابِ .
تُرِكَتْ غرائبُ مَنطِقي فِي غُربَةٍ ... مَسْبِبَّة لا تَهتَدِي لإبابِ .
جرحى وَمَا ضرُبَتْ بِحَدِّ مُهَنّدٍ ... أسرى وَمَا حُمِلَتْ عَلَى أقْتابِ .
لَفْظٌ صَقَلْتُ مُتونَه فكأنّه ... فِي مُشرِقاتِ التَزْمِ درُّ سَحابِ .
وكأنمّا أجْريت فِي صَفَحاتِهِ ... حُرَّ اللُجينِ وخالصَ الزريابِ .
أعْرَبْتُ فِي تَحْبيره فُروَاتُهُ ... فِي نُزهةٍ مِنهُ وَفِي استِغْرابِ .
وقطعتُ فِيهِ سبيبةً لن تشتغل ... عَنْ حُسنِهِ بِصِبىً ولا بتَصابي .
وإذا تَرَقْرَقَ فِي الصحيفة ماؤه ... عَبِقَ النسيم فذاك ماء شبابي .
يُصغي اللَبيبُ لَهُ فيَقْسِمُ لُبّه ... بَينَ التعجُّبِ منه والإعْجابِ .
جدٌّ يَطير شاعة وفُكاهَةٌ ... تستعطِفُ الأحْبابَ للأحْبابِ