سريّ بن المغلِّس أبو الحسن السقطي . أحد رجال الطريقة وأرباب الحقيقة . كَانَ أوحد زمانه فِي الورع وعلوم التوحيد وهو خال الجنيد وأستاذه وهو تلميذ معروف الكرخي يقال إنه كَانَ فِي دكانه فجاءه يوماً معروف ومعه صبيّ يتيم فقال لَهُ : اكسُ هَذَا اليتيم ! .
قال السري : فكسوته ففرح بِهِ معروف وقال : بَغَضَ الله إليك الدنيا ! .
وَكُلٌّ مَا أنا فِيهِ من بركات معروف . وقال : منذ ثلاثين سنة أنا فِي الاستغفار من قولي مرّةً : الحمد لله قيل لَهُ : وكيف ذلك ؟ قال : وقع ببغداد حريق فاستقبلني واحد وقال : نجا حانوتك ! .
فقلتُ : الحمد لله ! .
فأنا نادم من ذَلِكَ الوقت حَيْثُ أردْتُ لنفسي خيراً من دون الناس . وقال الجنيد : دخلت يوماً عَلَى خالي السريّ وهو يبكي فقلت : مَا يبكيك ؟ قال جاءتني البارحة الصبيّة فقالت : يَا أبت هَذِهِ ليلة حارّة وهذا الكوز أعلقه ههنا ثُمَّ إنّه حملتني عيناي فرأيت جاريةً من أحسن خلق الله تعالى قَدْ نزلت من السماء . فقلت : لمن أنت ؟ فقالت : لمن لا يشرب الماء المبردّ فِي الكيزان وتناولت الكوز وضربت بِهِ الأرض ! .
قال الجنيد : فرأيت الخزف المكسور لَمْ يرفعْهُ حَتَّى عفا عَلَيْهِ التراب . وتوفيّ السرّ سنة ثلاث وخمسين ومائتين . وحدّث عن الفضيل بن عياض وهُشيم وأبي بكر بن عَيَّاش وجماعة أتت عَلَيْهِ ثمان وتسعون سنة مَا رُئي مضطجعاً إلا فِي علّة الموت فقال الفرخاني عن الجنيد .
وقال السريّ : صلّيتُ ليلةً وردي ومددُ رجلي فِي المحراب فنوديت : يَا سريّ ! .
كذا تجالس الملوك ؟ فضممْتُ رجلي ثُمَّ قلت : وعزّتك وجلالتك لا مددْتُها ! .
وابنه إبراهيم بن الأسريّ قريب الحال من أبيه .
لبرفّاء الشاعر .
السريّ بن أحمد بن السريّ الكندي الرفّاء الشاعر المشهور . كَانَ فِي صباه يرفو يطرّز فِي دكّان بالموصل وهو مع ذَلِكَ يتولّع بالأدب والشعر حتّى مهر .
وقصد سيف الدولة بن حمدان وأقام عنده بحلب ثُمَّ وقع بينه وبين الخالديّان هجاء وآل الأمر بينهم إلى أن قطع سيف الدولة رسمه فانحدر إلى بغداد ومدح الوزير المهلَّبي وغيره من الرؤساء فراح عندهم فلمّا قدم الخالديّين بغداد بالغا فِي أذيّته بكلّ ممكن حَتَّى عدم القوت فجلس ينسخ ويبيع شعره وادّعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره . وَكَانَ مغرى بنسخ ديوان كشاجم وهو إذ ذَاكَ ريحان تِلْكَ البلاد والسري يذهب مذهبه وَكَانَ يدسّ فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديّينِ ليزيد فِي حجم مَا ينسخه وينفق سوقه ويُغلي شعره ويغضّ منهما .
وَكَانَ السريّ شاعراً مطبوعاً كثير الافتنان فِي الوصف والتشبيه وَلَمْ يكن لَهُ رُوَاء ولا منظر ولا يحسن من العلوم غير نظم الشعر . وجمع شعره قبل وفاته وتوفيّ فِي حدود الستّين والثلاث مائة فقيل سنة نيف وستّين وقيل : اثنتين وستّين وقيل : أربع . ومن شعر الرفّاء من الطويل : .
وبِكْرٍ شِرَبْناها عَلَى الورد بُكرَةً ... فكانت لَنَا وِرداً إلى بُكرّةِ الغَدِ .
إذا قام مُبْيَضّ اللِباس يديرها ... توهّمته يسعَى بِكُمّ مُوَدَّدِ .
قلت : مثله قول الآخر من المتقارب : .
كَأَنَّ المديرَ لَهَا باليمينِ ... إذا قام للسقْيِ أو باليَسارِ .
تدرّع ثوباً من الياسمين ... لَهُ فَردُكُمٍّ مِن الجلّبارِ .
وقولي أنا أيضاً من أبيات من الطويل : .
وساقٍ لَنَا فِي كَفّه ورُضابه ... ووجْنِتِهِ واللَحْظ أربع أكؤُسِ .
إذا حثها أَبْصَرْتَ أبْيَضَ ثَوبِه ... لَهُ نِصْفُ كُمٍّ من سناها مورّسِ .
ومن شعر السريّ الرفّاء ممّا قاله فِي دير الشياطين من البسيط : .
عصى الرشادَ وَقَدْ ناداه من حينٍ ... وراكضُ الغَيَّ فِي تِلْكَ الميادينِ .
مَا حنّ شيطانه العاتي إلى بَلَدٍ ... إلا ليَقربَ من دير الشياطينِ .
وفِتيَةِ زَهَرُ الآدابِ بينهم ... أبهى وأنضر من زَهْر البساتينِ .
مشوا إلى الراح مشي الرخّ وانصرفوا ... والراح يمشي بهم مَشْي الفرازينِ .
فَصُرِّعوا بَيْنَ أعطان الهياكِلِ فِي ... تِلْكَ الجنان وأقمار الدواوينِ