والتاريخ للزمان مرآة وتراجم العالم للمشاركة في المشاهدة مرقاة وأخبرا الماضين لم عاقر الهموم ملهاة .
لولا أحاديث أبقها أوايلنا ... من الندى والردى لم يعرف السمر .
وما أحسن قول الأرجاني : .
إذا عرف الإنسان أخبار من مضى ... توهمته قد عاش في أول الدهر .
وتحسبه قد عاش آخر دهره ... إلى الحشران أبقى الجميل من الذكر .
فقد عاش كل الدهر من كان عالما ... كريماً حليماً فاغتم أطول العمر .
وربما أفاد التاريخ حزما وعزما وموعظة وعلما وهمة تذهب هما وبيانا يزيل وهنا ووهما وجيلا تثار للأعادي من مكامن المكايد وسبلاً لا تعرج بالأماني إلى أن تقع من المصائب في مصايد وصبراً يبعثه التأسي بمن مضى واحتسابا يوجب الرضا بما مر وحلا من القضا وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك فكم تشبث من وقف على التواريخ بإذيال معال تنوعت أجناسها وتشبه بمن أخلده خموله إلى الأرض وأصعده سعده إلى السهى لأنه أخذ التجارب مجاناً من انفق فيها عمره وتجلت له العبر في مرآة عقله فلم تطفح لها من قلبه جمرة ولم تسفح لها في خده عبرة لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب فأحببت أن أجمع من تراجم الأعيان من هذه الأمة الوسط وكملة هذه الملة التي مد الله تعالى لها الفضل الأولى وبسط ونجباء الزمان وأمجاده ورؤس كل فضل واعضاده وأساطين كل علم وأوتاده وأبطال كل ملحمة وشجعان كل حرب وفرسان كل معرك لا يسلمون من الطعن ولا يخرجون عن الضرب ممن وقع عليه اختيار تتبتعي واختباري ولزنى إليه اضطرام تطلبي واضطراري ما يكون متسقاً في هذا التأيفي دره منتشقا من روض هذا التصنيف زهره فلا أغادر أحداً من الخلفاء الراشدين وأعيان الصحابة والتابعين والملوك والأمراء والقضاة والعمال والوزراء والقراء والمحدثين والفقهاء والمشايخ والصلحاء وأرباب العرقان والأولياء والنحاة والأدباء والكتاب والشعراء والأطباء والحكماء والألباء والعقلاء وأصحاب النحل والبدع والآراء وأعيان كل فن أشهر ممن اتقنه من الفضلاء من كل نجيب مجيد ولبيب مفيد .
طواه الردى طي الرداء وغيبت ... فواضله عن قومه وفضائله .
فقد دعوت الجفلى إلى هذا التأليف وفتحت أبوابه لمن دخلها بلا تسويغ تسويف ولا تكليم تكليف وذكرت لمن يجب فتحاً يسره أو خيراً قرره أو جودً أرسله أو رأياً أعمله أو حسنة أسداها أو سيئة أبداها أو بدعة سنها وزخرفها أو مقالة حرر فنها وعرفها أو كتاباً وضعه أو تأليفاً جمعه أو شعراً نظمه أو نثراً أحكمه .
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما فاته وفضول العيش أشغال .
ولم أخل بذكر وفاة أحد منهم إلا فيما ندر وشذ وانخرط في سلك أقرانه وهو فذ لأني لم أتحقق وفاته وكم من حاول أمراً فما بلغه وفاته على أنه قد يجيء في خلال ذلك من لا يضطر إلى ذكره ويبدو هجر شوكه بين وصال زهره .
قال الخليل بن أحمد C تعالى لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بعد معرفة ما لا يحتاج إليه . قلت فقد صار ما لا يحتاج إليه محتاجاً إليه لأن المتوقف وجوده على وجود شيء آخر متوقف على وجود ذلك الشيء وهكذا كل علم لا يبلغ الإنسان اتقانه إلا بعد تحصيل ما لم يفتقر إليه . فقد اذكر في كتابي هذا من لا له مزية وجعلت أصبع القلم من ذكره تحت رزة رزية غير أن له مجرد رواية عن المعارف منفردة ولم تكن له دراية حمايها على غصون النقل مغردة .
والأيك مشتبهات في منابتها ... وإنما يقع التفضيل في الثمر