خلعت علي بها الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث .
والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعد يرقى والغمامة تنفث .
وقول الرصافي : من البسيط .
غزيل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل .
جذلان تلعب بالمحواك أنمله ... على السدى لعب الأيام بالدول .
ما إن يني تعب الأطراف مشتغلاً ... أفديه الظبي في أشراك محتبل .
لا يشق فيها غبارهم ولا تلحق إلا آثارهم وأما مثل قول ابن المعلم الواسطي : من الكامل .
رحلوا بأفئدة الرجال وغادروا ... بصدورها فكراً هي الأشجان .
واستقبلوا الوادي فأطرقت المهى ... وتحيرت بغصونها الكثبان .
فكأنما اعترفت لهم بقدودها ... الأغصان أو بعيونها الغزلان .
وقول ابن التعاويذي : من البسيط .
إن قلت جرت على ضعفي يقول متى ... كان المحب من المحبوب منتصفا .
أو قلت أتلفت روحي قال لا عجب ... من ذاق طعم الهوى يوماً فما تلفا .
قد قلتم الغصن ميال ومنعطف ... فكيف مال على ضعفي وما عطفا .
فطراز لا يلم له أهل بلادكم . فقلت : المحاسن - أعزك الله - مقسمة وفي المغاربة من تنفث من أشعاره أسحار الكلام وتنم عليها أسرار الغرام مثل الوزير أبي الوليد ابن زيدون في قصيدته التي منها : من البسيط .
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا .
وسرد ابن سعيد القصيدة . قال : ثم أمسكت . فقال : ما أنشأت أندلسكم مثل هذا الرجل في الطريقة الغرامية وأظنه كان صادق العشق .
قلت : نعم كان يعشق أعلى منه قدراً وأرق حاشية وألطف طرفاً وهي ولادة بنت المستكفي المرواني . علقها بقرطبة حضرة الملك . ثم إن ابن سعيد قص عليه ذكر جماعة من المغرب وذكر انفصاله من ذلك المجلس ثم قال : ووصلت إلى ميعاده فوجدته بخزانة كتبه فكانت أول خزانة ملوكية رأيتها لأنها تحتوي على خمسة آلاف سفر ونيف . وذكر أنه أمره بحفظ أشعار التلعفري والحاجري وأنه قال له يوماً : أجز : فقلت : .
يا بان وادي الأجرع .
سقيت سحب الأدمع .
فقال له : قاربت ولكن طريقتنا أن تقول : .
هل ملت من شوقي معي .
فقلت : الحق ما عليه غطاء هذا أولى . ولازمته بعد ذلك نحو ثلاث سنين أنشده في أثنائها ما يتزيد لي إلى أن أنشدته قولي : من البسيط .
وا طول شوقي إلى ثغور ... ملى من الشهد والرحيق .
عنها أخذت الذي تراه ... يعذب في شعري الرقيق .
فارتاح وقال : سلكت جادة الطريق ما تحتاج إلى دليل . انتهى .
وكان بهاء الدين زهير كريماً فاضلاً حسن الأخلاق جميل الأوصاف . خدم الصالح أيوب وسافر معه إلى الشرق . فلما ملك مصر بلغه أرفع المراتب ونفذه رسولاً إلى الناصر صاحب حلب يطلب منه أن يسلم إليه عمه الصالح إسماعيل . فقال : كيف أسيره إليه وقد استجار بي وهو خال أبي ليقتله ؟ فرجع البهاء زهير بذلك . فعظم على الصالح وسكت على حنق . ولما صار مريضاً على المنصورة تغير على البهاء زهير وأبعده لأنه كان كثير التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم ولا يقبل عثرة والسيئة عنده ما تغفر