بالساحل النامي روائح نشره ... عن روضه المتضوَّع المتأرِّج .
واليمُّ زاهٍ قد جرى تياره ... من بعد طول تقلُّق وتموُّج .
طوراً يدغدغه النسيم وتارةً ... يكرى فتوقظه بنات الخزرج .
والبدر قد ألقى سنا أنواره ... في لجِّه المتجعِّد المتدبِّج .
فكأنه إذ قدَّصفحة متنه ... بشعاعه المتوقِّد المتوهِّج .
نهر تكوّن من نضارٍ يانعٍ ... يجري على أرضٍ من الفيروزج .
فكتب إليه ابن بصاقة : وأما الأبيات الجيميّة الجمَّة المعاني المحكمة المباني المعوَّذة بالسبع المثاني فإنها حسنة النِّظام بعيدة المرام متقدمة على شعر الجاهلية ومن عاصرها في الإسلام . قد أخذت بمجامع القلوب في الإبداع واستولت على المحاسن فهي نزهة الأبصار والأسماع ولعبت بالعقول لعب الشَّمول . إلا أن تلك خرقاء وهذه صناع . فإذا اعتبرت ألفاظها كانت درّاً منظوماً وإذا اختبرت معانيها كانت رحيقاً مختوماً . جلَّت بعلوِّها عن المعاني المطروقة والمعاني المسروقة ودلَّت بعلوّها أنها من نظم الملوك لا السُّوقة . فلو وجدها ابن المعتزّ لألقى زورقه الفضة في نهرها وألقى حمولته العنبر في بحرها وألفى تشبيهاته بأسرها في أسرها . ولو لقيها ابن حمدان لاغتمّ في قوس الغمام وانبرى بري السهام وتعطّى من أذيال غلائله المصبغّة بذيل الظَّلام . ولو سمعها امرؤ القيس لعلم أن فكرته قاصرة وكرَّته خاسرة وأيقن أن وحوشه غير مكسورة وأن عقابه غير كاسرة . فأين الجزع الذي لم يثقّب من الدر الذي قد تنظّم ؟ وأين ذلك الحشف البالي من هذا الشرف العالي ؟ والله تعالى يكفي الخاطر الذي سمح بها عين الكمال الشحيحة ويشفي القلوب العليلة بما روته هذه الأبيات الصحيحة . ومن شعر الملك الناصر : من الخفيف .
صبِّحاني بوجهه القمريِّ ... وأصبحاني بالسلسبيل الرويِّ .
بدر ليلٍ يسعى بشمس نهارٍ ... فشهيٌّ ينتابنا بشهيٍّ .
وأعجبا لاجتماع شمسٍ وبدرٍ ... في سنائي سنا كمالٍ بهيٍّ .
منها : .
إن تبدَّت بوجهها ذهبياً ... قلت : هذا من وجهه الفضِّيِّ .
منها : .
يا ولوعاً بالنَّبل أصميت قلبي ... بسهامٍ من لحظك البابليِّ .
رشقته من حاجبيك سهامٌ ... منبضاتٌ أحسن بها من قسيِّ .
ومن شعره : من الكامل .
لو عاينت عيناك حسن معذِّبي ... ما لمتني ولكنت أول من عذر .
عين الرَّشا قدُّ القنا ردف النَّقا ... شعر الدُّجى شمس الضُّحى وجه القمر .
قلت : كذا نقلته من خطٍ موثوقٍ به والظاهر أنه : نور الضحى وإلا فشمس الضحى ما له معنى . ومما نسب إلى الناصر داود وهو غاية : من الخفيف .
بأبي أهيفٌ إذا رمت منه ... لثم ثغرٍ يصدُّني عن مرامي .
قد حمى خدَّه بسور عذارٍ ... مقلتاه أضحت عليه مرامي .
ونسب إليه أيضاً : من الطويل .
تراخيت عني حين جدَّ بي الهوى ... وجرَّبت صبري عندما نفذ الصبر .
فلو عاينت عيناك في الليل حالتي ... وقد هزَّني شوقٌ وأقلقني فكر .
رأيت سليماً في ثياب مسلِّمٍ ... ومستشعراً قد ضمَّ شرسوفه الشعر .
ومن شعره : من الطويل .
إذا عاينت عيناي أعلام جلَّقٍ ... وبان من القصر المشيد قبابه .
تيقَّنت أنّ البين قد بان والنَّوى ... نأى شخصها والعيش عاش شبابه .
ومنه : من الكامل .
طرفي وقلبي قاتلٌ وشهيد ... ودمي على خدَّيك منه شهود .
يا أيها الرشأ الذي لحظاته ... كم دونهنَّ صوارمٌ وأسود .
من لي بطيفك بعد ما منع الكرى ... عن ناظريَّ البعد والتسهيد .
وأما وحبَّك لست أضمر توبةً ... عن صبوتي ودع الفؤاد يبيد .
وألذُّ ما لاقيت فيك منيَّتي ... وأقلُّ ما بالنفس فيك أجود .
ومن العجائب أن قلبك لم يلن ... لي والحديد ألانه داود