قال شمس الدين الجزري : حدثني الأمير سيف الدين أبو بكر المحفَّدار قال : كان السلطان C قد نفذني بكرةً إلى بيدرا بأن يتقدَّم بالعساكر فلما قلت له ذلك نفر فيَّ وقال : السمع والطاعة كم يستعجلني ! .
! .
ثم إني حملت الزَّردخاه والثِّقل الذي لي وركبت فبينا أنا ورفيقي صارم الدين الفخري وركن الدين أمير جاندار عند الغروب وإذا بنجَّاب قد أقبل فقلنا له : أين تركت السُّلطان ؟ فقال : يطول الله أعماركم فيه . فبهتنا . وإذا بالعصائب قد لاحت وأقبل الأمراء وبيدرا في الدّست فجئنا وسلمنا . وسايره أمير جاندار وقال له : يا خوند هذا الذي تم كان بمشورة الأمراء ؟ قال : نعم أنا قتلته بمشورتهم وحضورهم وهاهم حضور . وكان من جملتهم حسام الدين لاجين وبهادر رأس نوبة وقراسنقر وبدر الدين بيسري . ثم إن بيدرا شرع يعدِّد ذنوبه وإهماله لأمور المسلمين واستهتاره بالأمراء وتوزيره لابن السَّلعوس . ثم قال : رأيتم الأمير زين الدين كتبغا ؟ قلنا : لا فقال له أمير جاندار : كان عنده علم من هذه القضية ؟ قال : نعم هو أول من أشار بها . فلما كان من الغد جاء كتبغا في طلب نحو ألفين من الخاصَّكية وغيرهم ثم قال كتبغا لبيدرا : أين السّلطان ؟ ورماه بالنشّاب ورموا كلّهم بالنشّاب وقتلوه وتفرَّق جمعه قال : فلما رأينا ذلك التجأنا إلى جبلٍ واختلطنا بالطلب الذي جاء فعرفنا بعض أصحابنا فقال لنا : شدّوا بالعجلة مناديلكم في أرقابكم إلى تحت الإبط يعني شعارهم .
قال ابن المحفَّدار : وسألت شهاب الدين ابن الأشلّ : كيف كان قتل السلطان ؟ قال : جاء إليه بعد رحيل الدّهليز الخبر أن بترُّوجة طيراً كثيراً فقال لي : امش بنا حتى نسبق الخاصَّكيَّة . فركبنا وسرنا فرأينا طيراً كثيراً فرمى بالبندق وصرع كثيراً . ثم قال : أنا جيعان فهل معك شيءٌ تطعمني ؟ فقلت : ما معي سوى فرُّوجة ورغيف في سولقي . فقال : هاته فناولته فأكله ثم قال : امسك فرسي حتى أبول . قال : فقلت : ما فيها حيلة أنت راكب حصان وأنا راكب حجر وما يتفقان فقال : انزل أنت واركب خلفي وأركب أنا الحجر التي لك وهي تقف مع الحصان إذا كنت فوقه . فنزلت وناولته لجامها وركبت خلفه . ثم نزل هو وجعل يريق الماء ويولع بذكره ويمازحني . ثم ركب حصانه وأمسك الحجر لي حتى ركبت . وإذا بغبار عظيم فقال لي : سق واكشف الخبر . فسقت وإذا ببيدرا والأمراء فسألتهم عن سبب مجيئهم فلم يردّوا عليّ وساقوا إلى السلطان وقتلوه . ثم إنه بعد يومين طلع والي ترّوجة وغسلوه وكفّنوه ووضعوه في تابوت وسيَّروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصري فأحضر التابوت . ودفن في تربة والدته وذلك سنة ثلاثٍ وتسعين وستّ مائة وكان من أبناء الثلاثين أو أقلّ .
ذكر فتوحاته : عكا وصور وصيدا وبيروت وقلعة الروم وبهسنى وجميع الساحل في أقرب مدة . وكان مدة ملكه ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام وكان كرمه زائداً وإطلاقاته عظيمة . وكانت واقعته تسمَّى : وقعة الأيدي والأكتاف لأن جميع من وافق عليه قطِّعت أيديهم أولاً وفيهم من سمِّر وفيهم من أحرق وفيهم من قتل . ولم يجدَّد في زمانه مظلمة ولا استجد ضمان مكس . وكان يحب الشّام وأهله . وحدثت أنه كان بدمشق قبل ولاية الأشرف يؤخذ عند باب الجابية على كل حملٍ يحمل غلَّةً خمسة دراهم مكساً فأول ولاية الأشرف وردت إلى دمشق محامحة بإسقاط ذلك المكس . وبين سطور المرسوم بذلك بخطه بقلم العلامة : ولتسقط عن رعايانا هذه الظُّلامة ويستجلب الدعاء لنا من الخاصّة والعامّة . من البسيط .
وأزرق الصُّبح يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطرٌ ثم ينسكب