خلف بن أحمد السعَّدي من قريةٍ تعرف بالسَّعدين جوار المهديّة . كان شاعراً مطبوعاً كثير الأخبار والحكايات مزّاحاً . قال ابن رشيق في الأنموذج : كان له حمار سماه مرزوقاً فكتب إلى بعض إخوانه يستهدي له علفاً : من مجزوء الرمل .
إن مرزوقاً يغنّي ... طال شوقي للشّعير .
قوته أكل حبالي ... وقفافي وحصيري .
فإذاما جنَّه اللّي ... ل دهاني بالصَّفير .
همَّتي فوق الثُّريا ... ونصيبي في الحقير .
وصحب الأمير تميم بن معدّ والأمراء إخوته بالمنصورية حيناً طويلاً وامتدحهم . وكانت له عندهم حظوة ومكانة . ودخل مصر في أيام العزيز فأفاد وأكثر شعره فيهم . فكتمه لتلك العلّة خوفاً ممن لا يعرف مخارج الكلام ووجوهه حتى زعم أنه ضاع جملةً ولم يظهر منه سوى جزء أوله : من الكامل .
ماذا يريك تصرُّف الأحوال ... وكرور أيامٍ ومرُّ ليال .
ورأيت له قصيدة أولها : من الطويل .
هجرت لذيذ الغمض مذ هجرت هند ... فجري دموع العين بينهما مدُّ .
وما شيمتي رعي النجوم لأنها ... حياة ولا فيها انتفاع ولا رفد .
ولكنه ذكر لما بان وانقضى ... وردّ لما قد فات لو أمكن الردُّ .
ذهاب شبابٍ لم أكن بذهابه ... رشيداً ولكن زال عني به الرّشد .
قلت : شعر متوسط .
453 - السُّميسر .
خلف بن فرج أبوالقاسم ابن الإلبيري المعروف بالسُّميسر . أورد له أمية بن أبي الصلب في الحديقة : من مخلع البسط .
يا آكلا كلّما اشتهاه ... وشاتم الطِّبِّ والطبيب .
ثمار ما قد غرست تجني ... فانتظر السُّقم عن قريب .
تجمع الداء كلَّ يومٍ ... أغذية السوء كالذُّنوب .
وأورد له أيضاً : من المتقارب المجزوء .
أأكل ما يشتهي ؟ نهيت فلم تنته .
لأكلك ما تشتهي ... بقيت وما تشتهي .
وقوله يهجو أبا الحسن عليّاً العامري : من مجزوء الرمل .
جاد نزراً فقبلنا ... ردهم السّاقط بدره .
عجب الناس وقالوا ... كيف سلَّت منه ذرَّه .
عملت فيه رقانا ... فلذا خالف أمره .
هل رأيتم بعد موسى ... أحداً فجَّر صخره .
الحافظ ابن الدّباغ .
خلف بن القاسم بن سهل بن أسود أبو القاسم ابن الدّباغ الحافظ الأندلسي . رحل إلى المشرق وكان حافظاً فهماً عارفاً بالرجال . صنَّف حديث مالك وحديث شعبة وأشياء في الزهد . وسمع بمصر أبا محمد ابن الورد البغدادي وسلم بن الفضل والحسن بن رشيق وجماعة . وسمع بدشق عليّ بن أبي العقب وأبا الميمون ابن راشد وبمكة من بكير الحداد وأبي الحسن الخزاعيّ والآجرِّي وبقرطبة من أحمد بن يحيى بن الشامة ومحمد بن معاوية وتوفي سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة .
أمير بخارا .
خلف بن أحمد بن محمد بن اللّيث أمير بخارا وابن أميرها . كان أوحد الملوك في إجلال أهل العلم والإفضال على العلماء . سمع عليّ بن بندار الصّوفيّ ومحمد بن علي الماليني صاحب عثمان الدارمي وبالحجاز عبد الله بن محمد الفاكهي وببغداد أبا علي ابن الصوّاف وأبا بكر الشافعي . ومولده سنة عشرين وثلاث مائة وتوفي شهيداً في الحبس ببلاد الهند C سنة تسعٍ وتسعين وثلاث مائة . روى عنه الحاكم مع جلالته وانتخب له الدارقطني وقال ياقوت : كان في أول أمره على مذهب أهل الرأي . وكان أهل مذهبه يغرونه بقتل من خالف مذهبه فقتل ألوفاً كثيرة على ذلك الرأي . وكان يحيى بن عمارة في سجستان فيذلك الوقت فالتحف بملحفةٍ كالنسوان ولحق ببعض السِّفارة فتحمَّل معهم على ذلك الحال قاصداً هراة . ثم إن الأمير أحمد رجع عن مذهب أهل الرأي إلى مذهب أهل الحديث فقتل خلقاً كثيراً من أهل الرأي . وصنَّف في تفسير القرآن كتاباً كبيراً نحو مائة وعشرين مجلداً وله كتاب تعبير الرؤيا سماه تحفة الملوك . قبض عليه السلطان محمود بن سبكتكين وحبسه في قلعة فشرب دواء حتى غاب رشده وخيِّل إلى الموكَّلين به أنه قد مات فسلِّم إلى أهله فجعلوه في تابوتٍ ومضوا به فبلغ ذلك السلطان فقبض عليه مرةً أخرى ففعل فعلته الأولى فأمر السلطان أن يجعل في تابوتٍ ويغلق حتى مات .
المبرقع الكلبي