ومنه : من المتقارب .
رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحبِّ بلا آخر .
ولم تدر بعد ذهاب الرُّقا ... د ما فعل الدَّمع بالناظر .
وتوفي خالد في حدود السبعين والمائتين . قال بعضهم : رأيت خالداً وقد كبر ورقَّ عظمه وهو راكب قصبةً والصّبيان حوله فقلت له : يا أستاذ ما الذي أصار بك إلى هذا ؟ فقال : من المقتضب المجزوء .
الهموم والسَّهر ... والسُّهاد والفكر .
سلِّطت على جسدٍ ... فيّ للهوى أثر .
لا ومن كلفت به ... ما يطيق ذا بشر .
فقلت له : يا أستاذ أريد أن تنشدني أرقَّ ما تعرف فقال : اكتب : من السريع .
رقَّ فلو مرَّت به نملةٌ ... أرجلها منعلةٌ بالحرير .
لأثَّرت فيه كما أثَّرت ... سحابةٌ في يوم دجنٍ مطير .
فقلت : يا أستاذ أريد أرقَّ من هذا فقال : أكتب : من السريع .
أضمر أن أضمر حبِّي له ... فيشتكي إضمار إضماري .
رقَّ فلو مرَّت به نملةٌ ... لخضَّبته بدمٍ جار .
فقلت : يا أستاذ أريد أرقَّ من هذا فقال : اكتب : من المنسرح .
صافحته فشتكت أنامله ... وكاد يبقى بنانه بيدي .
وكنت إذ صافحت يداه يدي ... كأنَّني قابضٌ على البرد .
لو لحظته العيون مدمنةً ... لذاب من رقَّةٍ فلم يجد .
فقلت : يا أستاذ أريد أرقَّ من هذا فقال : اكتب : من السريع .
رقَّته ما مثلها رقَّة ... فإن جفا فالويل من صدِّه .
قدرة عينيه على مهجتي ... كقدرة المولى على عبده .
قد جال ماء الحسن في خدَّه ... وضجَّت الأغصان من قدّه .
فقلت : يا أستاذ أريد أرقَّ من هذا : قال : اكتب : من الطويل .
توهَّمه طرفي فأصبح خدُّه ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر .
وصافحه كفي فآلم كفَّه ... فمن غمز كفّي في أنامله عقر .
ومرَّ بفكري خاطراً فجرحته ... ولم أر جسماً قطُّ يجرحه الفكر .
فقلت : يا أستاذ أريد أرقَّ من هذا فقال : اكتب : من الطويل .
تكوَّن من نور الإله بلا مسِّ ... بقول عزيزٍ : كن من الروح بالقدس .
فلمّا رأته الشمس أخمد نورها ... وقالت له بالله أنت من الإنس .
وقال لها : إني أظنُّك ضرَّتي ... وخمَّس بالكفِّ المليح على الشمس .
فقلت : يا أستاذ أريد أرقَّ من هذا فقال : قد تقدمت إلى المنزل عسى أن يصلحوا لي عدساً بسلق وأنا ألقاك غداً بشيء رقيق وتركني وانصرف . وقد تقدَّمت هذه الحكاية في ترجمة بهلول وهي أخصر من هذا .
موفّق الدين القيسرانيّ