الحسين بن محمد بن عبد الله الحجَّاجيّ البزَّازيّ أبو عبد الله بن أبي بكر الفقيه الشّافعيّ من أهل طبرستان . قدم بغداد في صباه وأقام بها وقرأ الفقه على القاضي أبي الطيّب الطبري . ولازم بعده أبا إسحق الشّيرازيَّ حتى برع في المذهب والأصول والخلاف . وصار من جلَّة أصحابه . وتعيَّن بعده للتدريس وتولَّى تدريس النّظامية بعد الشريف أبي القاسم الدبوسي سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة إلى أن قدم أبو محمد عبد الوهاب بن محمد الشيرازي فأشركوا بينه وبين الطبري يوماً ويوماً ثم صرفا بأبي حامد الغزالي . فلما توجه إلى القدس أعيد الطبري ثانياً وخرج من بغداد سنة اثنتين وتسعين إلى أصبهان بعد قتل تاج الملك أبي الغنائم الوزير مطالباً بودائع كانت له هناك عنده . وبقي هناك إلى أن توفي سنة خمس وتسعين وأربع مائة . وكان قد سمع من الخطيب أبي بكر وغيره .
ابن السِّيبي .
الحسين بن محمد بن عبد الوهَّاب بن هبة الله بن السِّيبيّ ابو المظفَّر البغداديّ من أهل البيوت الكبيرة . وهو أخو الحسن بن محمد وكان الأصغر . ولي النّظر في أعمال قوسان . فنقم عليه وقطعت يده ورجله . ومات سنة خمسٍ وستين وخمس مائة . وكان شاباً ظريفاً متودِّداً لطيفاً ذا كياسةٍ ورياسةٍ ونفاسةٍ حلو الشمائل حسن البهجة لسن اللَّهجة . باء ابن البلديِّ في وزارته بوزر دمع وتوصَّل في قطع يده وقدمه فلم يمض شهران حتى انقضت أيام المستنجد وفتك بالوزير المتبلّد . ولم ينم ثاره حتى ظهرت في تبديل الدّولة آثاره . ومن شهره : من مخلّع البسيط .
يا ناجياً من عذاب قلبي ... وسالماً من رسيس وجدي .
لا تتقرَّب إلى ثيابي ... فإنَّ داء الغرام يعدي .
تزعم أنَّ الفؤاد عندي ... لو كنت عندي لكان عندي .
قد غيَّر الدَّهر كلَّ شيءٍ ... غير جفاكم وحسن عهدي .
ومنه : من الطويل .
أعيذكم من لوعتي وشجوني ... ونار جوىً بين الضُّلوع دفين .
وبرح أسىً لم يبق فيَّ بقيَّةً ... سوى حركاتٍ تارةً وسكون .
أرى القلب أضحى بعد طارقة الأسى ... أسير صباباتٍ رهين شجون .
وكنت أظنُّ الدَّمع ينقع غلَّتي ... فزاد نزاعي نحوكم وحنيني .
وكيف سبيل القرب منكم ودونكم ... رمال زرودٍ والأجارع دوني .
سلو مضجعي هل قرَّ من بعد بعدكم ... وهل عرفت طعم الرُّقاد جفوني .
سهرنا بنعمان ونمتم ببابلٍ ... فيا لعيونٍ ما وفت لعيون .
قلت : شعر جيد منسجم .
نور الهدى الزَّينبيّ النَّقيب .
الحسين بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهّاب أو طالبن الزَّينبي الملقَّب نور الهدى أخو أبي نصرٍ محمد وأبي الفوارس طراد . وكان الأصغر . قرأ القرآن على عليِّ بن عمر ابن القزوينيّ الزّاهد . فعادت عليه بركته . وقرأ الفقه على قاضي القضاة محمد بن عليّ الدامغانيِّ حتى برع وأفتى ودرِّس بالشَّرفيّة التي أنشأها شرف الملك بباب الطّاق . وكان مدرِّسها وناظرها . وترسَّل إلى ملوك الأطراف وأمراء البلاد من قبل الخليفة . وولي نقابة العباسيين والطالبيين معاً سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة مدةً ثم استعفى . وكان شريف النَّفس قويَّ الدِّين وافر العلم شيخ أصحاب الرأي في وقته وزاهدهم وفقيه بن العباس وراهبهم وله الوجاهة الكبيرة عند الخلفاء . وانتهت إليه رياسة أصحاب الرأي ببغدادٍ . وسمع من عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ومحمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان والحسن بن عيسى بن المقتدر وجماعةٍ . وجاور بمكَّة ناظراً في مصالح الحرم . وسمع البخاري من كريمة بنت أحمد المروزيَّة وانفرد بروايته عنها ببغداد . وروى عنه جماعة من الأكابر والحفَّاظ . وآخر من حدَّث عنه : أبو الفرج بن كليبٍ . وتوفي سنة اثنتي عشرة وخمس مائة . وقد مدحه أبو إسحق الغزِّي بقصيدةٍ أوَّلها : من الطويل .
جفونٌ يصحُّ السُّقم فيها فتسقم ... ولحظٌ بناجيه الضمير فيفهم .
معاني جمالٍ في عبارات خلقه ... لها ترجمانٌ صامتٌ يتكلَّم