قال أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي إذناً عن أبيه : حدثني أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعلان قال حدثني أبو علي أحمد بن الحسين ابن عبد الله بن الجصاص الجوهري قال : قال لي أبي : كان بدء إكثاري أنني كنت في دهليز حرم أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وكنت أتوكل له ولهم في ابتياع الجوهر وغيره مما يحتاجون وما كنت أفارق الدهليز لاختصاصي بهم فخرجت إلي قهرمانةٌ لهم في بعض الأيام ومعها عقد جوهر فيه مائتا حبة لم أر قبله أفخر ولا أحسن منه تساوي كل حبة منه مائة ألف دينار عندي فقالت نحتاج أن نخرط هذه حتى تصغر فتجعل لأربع عشرات اللعب فكدت أن أطير وأخذتها وقلت : السمع والطاعة وخرجت في الحال مسروراً فجمعت التجار ولم أزل أشتري ما قدرت عليه إلى أن حصلت مائة حبة أشكالاً في النوع الذي قدرت عليه وأرادته وجئت بها عشياً وقلت : إن خرط هذا يحتاج إلى زمانٍ وانتظار وقد خرطنا اليوم ما قدرنا عليه وهو هذا - فدفعت إليها المجتمع - وقلت : الباقي يخرط في أيام فقنعت بذلك وارتضت الحب وخرجت فما زلت أياماً في طلب الباقي حتى اجتمع فحملت إليهم مائتي حبة قامت علي بأثمانٍ قريبةٍ تكون دون مائة ألف درهمٍ أو حواليها وحصلت جوهراً بمائتي ألف دينار ثم لزمت دهليزهم وأخذت لنفسي غرفةً كانت فيه فجعلتها مسكني وكان يلحقني من هذا أكثر مما يحصى حتى كثرت النعمة وانتهيت إلى ما استفاض خبره .
وحكى ابن الجصاص قال : كنت يوم قبض على المقتدر جالساً في داري وأنا ضيق الصدر وكانت عادتي إذا حصل لي مثل ذلك أن أخرج جواهر كانت عندي في درج معدة لمثل هذا من ياقوت أحمر وأصفر وأزرق وحباً كباراً ودراً فاخراً ما قيمته خمسون ألف دينار وأضع ذلك في صينية وألعب به فيزول قبضي فاستدعين بذلك الدرج فأتي به بلا صينية ففرغته في حجري وجلست على صحن داري في بستان في يوم بارد طيب الشمس وهو مزهرٌ بصنوف الشقائق والمنثور وأنا ألعب بذلك إذ دخل الناس بالزعقات والمكروه فلما قربوا مني دهشت ونفضت جميع ما كان في حجري من الجوهر بين ذلك الزهر في البستان ولم يروه . وأخذت وحملت وبقيت مدة في المصادرة والحبس .
وانقلبت الفصول على البستان وجف ما فيه ولم يفكر أحدٌ فيه فلما فرج الله عني وجئت إلى داري ورأيت المكان الذي كنت فيه ذكرت الجوهر فقلت : ترى بقي منه شيءٌ . ثم قلت : هيهات وأمسكت . ثم قمت بنفسي ومعي غلام يثير البستان بين يدي وأنا أفتش ما يثيره وآخذ منه الواحدة بعد الواحدة إلى أن وجدت الجميع ولم أفقد منه شيئاً .
وكان ينسب إلى الحمق والبله ؛ مما يحكى عنه أنه قال في دعائه يوماً : " اللهم اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم " .
ودخل يوماً على ابن الفرات الوزير فقال : يا سيدي عندنا في الحويرة كلاب لا يتركوننا ننام من الصياح والقتال . فقال الوزير : أحسبهم جراء . فقال : لا تظن أيها الوزير لا تظن ذلك كل كلب مثلي ومثلك .
ونظر يوماً في المرآة فقال لرجل آخر : انظر ذقني هل كبرت أو صغرت . فقال : إن المرآة بيدك . فقال : صدقت ولكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب .
ورؤي وهو يبكي وينتحب فقيل له : مالك ؟ فقال : أكلت اليوم مع الجوتري المخيض بالبصل فآذاني فلما قرأت في المصحف : " ويسألونك عن المحيض : قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض " فقلت : ما أعظم قدرة الله قد بين الله كل شيء حتى أكل اللبن مع الجواري .
وأراد مرة أن يدنو من بعض جواريه فامتنعت عليه وتشاحت فقال : " أعطي الله عهداً لا قربتك إلى سنة لا أنا ولا أحدٌ من جهتي " .
وقال يوماً : " قد خربت يدي لو غسلتها ألف مرة لم تنظف حتى أغسلها مرتين " .
وماتت أم أبي إسحاق الزجاج فاجتمع الناس عنده للعزاء فأقبل ابن الجصاص وهو يضحك ويقول : يا أبا إسحاق والله سرني هذا فدهش الزجاج والناس فقال بعضهم : يا هذا كيف سرك ما غمه وغمنا له ؟ قال : ويحك بلغني أنه هو الذي مات فلما صح عندي أنها أمه سرني ذلك فضحك الناس .
وكان يكسر يوماً لوزاً فطفرت لوزةٌ وأبعدت فقال : " لا إله إلا الله كل الحيوان يهرب من الموت حتى اللوز " .
وقال يوماً في دعائه : " اللهم إنك تجد من تعذبه غيري وأنا لا أجد غيرك يغفر لي فاغفر لي "