هذا بذاك فلا شيء له عندنا . فقال له ابن البواب : فأين فضل إحسان أمير المؤمنين وسعة حلمه وعادته في العفو ؟ فأمر بإحضاره فلما حضر سلم فرد عليه خافياً ثم أقبل عليه فقال له : أخبرني عنك هل عرفت يوم قتل أخي محمد C هاشميةً قتلت وهتكت ؟ قال : لا . قال : فما معنى قولك : من الطويل .
ومما شجى قلبي وكفكف عبرتي ... محارم من آل النبي استحلت .
ومهتوكةٌ بالخلد عنها سجوفها ... كعابٌ كقرن الشمس حين تبدت .
إذا أخفرتها روعةٌ من منازعٍ ... بها المرط عاذت بالخشوع ورنت .
وسرب ظباءٍ من ذؤابة هاشمٍ ... هتفن بدعوى خير حيٍّ وميت .
أرد يداً مني إذا ما ذكرته ... على كبدٍ حرى وقلبٍ مفتت .
فلا بات ليل الشامتين بغبطةٍ ... ولا بلغت آمالها ما تمنت .
فقال : يا أمير المؤمنين لوعةٌ غلبتني وروعةٌ فجأتني ونعمةٌ سلبتها بعد أن غمرتني وإحسان شكرته فأنطقني وسيدٌ فقدته فأقلقني فإن عاقبت فبحقك وإن عفوت فبفضلك . فدمعت عين المأمون وقال : قد عفوت عنك وأمرت بإدرار رزقك عليك وإعطائك ما فات منها وجعلت عقوبة ذنبك امتناعي عن استخدامك .
وللحسين بن الضحاك مع أبي نواس أخبارٌ ونوادر . قال الحسين : أنشدت أبا نواس قولي : من المنسرح .
وشاطري اللسان مختلق الت ... كريه شاب المجون بالنسك .
حتى بلغت قولي : .
كأنما نصب كأسه قمرٌ ... يكرع في بعض أنجم الفلك .
قال فأنشدني لنفسه بعد أيام : من الطويل .
إذا عب فيها شارب القوم خلته ... يقبل في داجٍ من الليل كوكبا .
قال : فقلت له : يا أبا علي هذه مصالتةٌ . قال : أفتظن أن يروى لك في الخمر معنىً جيدٌ وأنا حي ؟ .
ولما ولي المعتصم الخلافة سأل عن الحسين بن الضحاك فأخبر بمقامه بالبصرة ؛ لانحراف المأمون عنه فأمر بقدومه عليه فلما دخل سلم واستأذن في الإنشاد فأذن له فأنشده : من الكامل .
هلا رحمت تلدد المشتاق ... ومننت قبل فراقه بتلاق .
إن الرقيب ليستريب تنفسي ... صعداً إليك وظاهر الإقلاق .
نفسي الفداء لخائفٍ مترقب ... جعل الوداع إشارةً بعناق .
إذ لا مقال لمفحمٍ متحيرٍ ... إلا الدموع تصان بالإطراق .
حتى انتهى إلى قوله : من الكامل .
خير الوفود مبشرٌ بخلافةٍ ... خصت ببهجتها أبا إسحاق .
وافته في الشهر الحرام سليمةٌ ... من كل مشكلة وكل شقاق .
سكن الزمان إلى الإمام سلامةً ... عف الضمير مهذب الأخلاق .
فحمى رعيته ودافع دونها ... وأجار مملقها من الإملاق .
حتى أتمها فقال له المعتصم : أدن مني فدنا منه فملأ فمه جوهراً من جوهر كان بين يديه ثم أمره أن يخرجه من فمه فأخرجه وأمر أن ينظم ويدفع إليه ويخرج إلى الناس وهو في يده ليعلم الناس موقعه من رأيه ويعفوا ثمرة إحسانه .
ومن شعره : من الهزج .
أيا من طرفه سحر ... ويا من ريقه خمر .
تجاسرت فكاشفت ... ك لما غلب الصبر .
وما أحسن في مثل ... ك أن ينهتك الستر .
فإن عنفني الناس ... ففي وجهك لي عذر .
ومنه : من الخفيف .
صل بخدي خديك تلق عجيباً ... من معانٍ يحار فيها الضمير .
فبخديك للربيع رياضٌ ... وبخدي للدموع غدير .
الحسين بن عبد الله بن العباس .
الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس .
قال أبو زرعة وغيره : ليس بالقوي وقال النسائي : متروك .
وكان كثير الحديث . روى له الترمذي وابن ماجة . توفي في حدود الخمسين والمائة وعمر طويلاً حتى بلغ التسعين أو تجاوزها .
وهو القائل في امرأته : العائدة بنت سعيد بن عبد الله بن عمرو بن العاص : من الطويل .
أعائد حييتم على النأي عائدا ... وأسقاك ربي المسبلات الرواعدا .
أعائد ما شمس النهار إذا بدت ... بأحسن مما بين عينيك عائدا .
وما أنت إلا دميةٌ في كنيسة ... يظل لها البطريق في الليل ساجدا .
وقال في مالك بن أبي السمح وكان صديقه وأليفه : من المنسرح