لما توفي عبيد الله بن يحيى بن خاقان أحضر المعتمد بن مخلدٍ هذا واستوزره وخلع عليه . وكان يكتب للموفق فاجتمعت له الوزارة وكتابة الموفق إلى أن دخل موسى بن بغا سر من رأى فخافه فاستأذن المعتمد في الانحدار إلى بغداد لأموالٍ يقبضها من العمال ودخل موسى على المعتمد وسأله أن يستوزر سليمان بن وهب فأجابه وبلغ ذلك ابن مخلد فاستتر في بغداد . وكانت وزارته شهراً . وشخص الموفق إلى سر من رأى فسأله موسى أن يستكتب عبيد الله بن سليمان ففعل ؛ فقوي أمر سليمان بذلك ووجه سليمان إلى بغداد يطلب ابن مخلد فظفر به وحبسه وعذبه وطالبه بالأموال إلى أن أخذ خطه بألف ألف دينار .
وابتدأ بأداء المال شيئاً بعد شيء إلى أن دخلت سنة أربع وستين ومائتين فاعتل موسى بن بغا وتوفي فضعف أمر سليمان وابنه فعطفا على مداراة الحسن ابن مخلد وأخرجاه وأسقطا ما كان بقي من المال وردت عليه ضياعه وجعلاه ثالثهما في تدبير المملكة ولم يزل سليمان وزيراً إلى أن قبض عليه وعلى ابنه واستوزر الحسن بن مخلد ثانياً .
ثم إن الموفق سأل المعتمد أن يولي وزارته إسماعيل بن بلب ففعل واستتر الحسن . ثم إن القواد سألوا المعتمد أن يولي الحسن ففعل فاستوزره ثالثاً . ثم إن الموفق كره ابن مخلد فحمل الجند على الإيقاع به فقبضوا عليه وحمل إلى الأنبار ثم إلى مصر إلى ابن طولون فأظهر إكرامه ثم إنه اتهمه بمكاتبة الموفق فحبسه ولم يزل محبوساً إلى أن مات مثقلاً بالحديد في شر حالٍ سنة سبع وستين ومائتين .
وكتب الحسن بن مخلد من الرقة إلى عماله قبل حمله إلى مصر : من البسيط .
من للغريب البعيد النازح الوطن ... من للأسير أسير الهم والحزن .
من للغريب الذي لا مستراح له ... من الهموم ولا حظٌ من الوسن .
خلى العراق وقد كانت له وطناً ... لا خير في عيش منقولٍ عن الوطن .
لا خير في عيش نائي الدار مغتربٍ ... يأوي إلى الهم كالمصفود في قرن .
يا أهل كم فاتني من حسن مستمعٍ ... منكم وفارقته من منظرٍ حسن .
وكم تجرعت للأيام بعدكم ... من جرعة أزعجت روحي عن البدن .
وكان الحسن عظيم الجسم مهيب المنظر قوي الحجة شديد العارضة لا يقدم في وقته أحدٌ عليه ولا يقاس به وكان يقال : " ما لا يعلمه الحسن بن مخلد من الخراج ؛ فليس في الدنيا " . وكان جواداً ممدحاً ومدحه البحتري وغيره .
وكتب إليه البحتري وهو في الحبس : من الطويل .
يعز علينا أن نزورك في الحبس ... ولم نستطع نفديك بالمال والنفس .
فقدنا بك الأنس الطويل وعطلت ... مجالس كانت منك تأوي إلى أنس .
فإن تحتجب بالجدر عنا فربما ... رأينا جلابيب السحاب على الشمس .
الحسن بن المرتضى .
الحسن بن المرتضى بن محمد بن زيد النقيب السيد بهاء الدين البقري الحسيني نقيب الموصل .
كان من أكابر البلد رياسةً وديناً وعقلاً وكرماً وأدباً . توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة .
ومن شعره : من مجزوء الكامل .
لو كنت شاهد عبرتي ... وصبابتي عند التلاقي .
لرحمتنا مما بنا ... وعجبت من ضيق العناق .
الحسن بن مسعود .
الحسن بن مسعود بن الحسن أبو علي الوزير الدمشقي الحافظ .
أصله من خوارزم وكان جده وزير تتش تاج الدولة وتزيا أبو علي بزي الجند مدة ثم اشتغل بالفقه والحديث ورحل ودخل إلى أصبهان وأقام بمرو وتفقه لأبي حنيفة . وتوفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة .
الحوري .
الحسن بن مسلم بن أبي الحسن بن أبي الجود القادسي أبو علي الحوري - بالحاء المهملة مفتوحة وبعد الواو الساكنة راء قرية من عمل دجيل .
كان مجداً في العبادة ملازماً للمحراب والسجادة . أقام أربعين سنةً لا يكلم أحداً يقرأ في اليوم والليلة ختمةً .
صحب الشيخ عبد القادر والشيخ حماداً الدباس وتفقه في شبيبته . وسمع من أبي البدر إبراهيم بن محمد الكرخي وغيره . وروى عنه يوسف بن خليل والدبيثي وابن ناسويه وآخرون .
وكان يصوم الدهر وكانت السباع تأوي إلى زاويته وتردد إليه الإمام الناصر وزاره وكان يعتقده