قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي الصوري : حدثني أبو منصور الحلبي : كان ابن وكيع هذا سمساراً في بلده متأدباً ظريفاً سألني أن أخرج معه إلى توبة لنشرب فخرجت معه واستصحبت مغنياً يعرف بابن ديار رطوب وألقى إليه أن لا يغني إلا بشعره فغنى : من مجزوء الكامل .
لو كان كل عليلٍ ... يزداد مثلك حسنا .
لكان كل عليلٍ ... يود لو كان مضنى .
يا أكمل الناس حسناً ... صل أكمل الناس حزنا .
غيبت عني ومالي ... وجهٌ به عنك أغنى .
وكان قد صنف كتاب سرقات المتنبي وحاف عليه وعذلته فلم يرجع قلت : هل تثقل عليك الموافقة ؟ قال : لا قلت : أبياتك مأخوذة : الأول من واحد والثاني من آخر فالأول من قوله : من الوافر .
فلو كان المريض يزيد حسناً ... كما تزداد أنت على السقام .
لما عيد المريض إذاً وعدت ... شكايته من النعم العظام .
والثاني من قول رؤبة : من الرجز .
مسلم ما أنساك ما حييت ... لو أشرب السلوان ما سليت .
ما لي غنىً عنك وإن غنيت .
فقال : والله ما سمعت بهذا فقلت : فإذا كان الأمر على هذا فاعتذر بمثله للمتنبي .
ومن شعر ابن وكيع : من الخفيف .
قلت للمعرض الذي صد عني ... دم على الهجر واجتهد في بعادك .
ناب طيف الخيال لي عنك بالو ... صل فأغنى وداده عن ودادك .
قال ما زارك الخيال لبرٍّ ... أنا أرسلته لطرد رقادك .
ومنه : من المتقارب .
له مضحك برقه خاطفٌ ... عقول الرجال إذا ما ابتسم .
أقول له إذ بدا دره ... شهيداً لناظمه بالحكم .
أرى الدر يثقبه الناظمون ... وما ثقبوا ذا فكيف انتظم .
ومنه : من السريع .
حاسبني الدهر على ما مضى ... بدل فرحاتي بترحات .
فليته جازى بما نلته ... لكنه أضعف مرات .
ومنه : من الطويل .
ونحرٍ كأن الله للثم صاغه ... وبعض نحور الناس يصلح للنحر .
ومن شعره : من الكامل .
إن كان قد بعد المزار فودنا ... باقٍ ونحن على النوى أحباب .
كم قاطعٍ للوصل يؤمن وده ... ومواصل بوداده يرتاب .
ذكرت هنا ما كتب به السراج الوراق إلى الرشيد المارديني وقد بعث إليه تمراً رديئاً ضمن قدور : من الكامل .
يا من غدا لي واضعا بقدوره ... قدراً له فوق السماء قباب .
جاءت بأنواع النوى فمجاببٌ ... أدماً وعارٍ ما له جلباب .
وعلى النقير لتمرها أثرٌ عفا ... فهدى إليه الحائرين ذباب .
أرجيع ما لاك الحجاز بعثته ... والرزق سد فما لديه باب .
أم خلت زجاجاً أخاك ومصر من ... شؤم النوى قفر الرحاب يباب .
وإذا تباعدت الجسوم فودنا ... باق ونحن على النوى أحباب .
ولابن وكيع المذكور : من السريع .
أبصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبلها رآه .
فقال لي لو هويت هذا ... ما لامك الناس في هواه .
قل لي إلى من عدلت عنه ... فليس أهل الهوى سواه .
فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالحب من نهاه .
قال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان كنت أنشد هذه الأبيات لصاحبنا الفقيه شهاب الدين محمد بن عبد المنعم المعروف بابن الخيمي فأنشدني لنفسه في المعنى : من الرمل .
لو رأى وجه حبيبي عاذلي ... لتفاصلنا على وجهٍ مليح .
ومن شعر ابن وكيع : من المتقارب .
لقد قنعت همتي بالخمول ... وصدت عن الرتب العاليه .
وما جهلت طعم طيب العلا ... ولكنها تطلب العافيه .
ومنه : من الوافر .
ملا عن حبك القلب المشوق ... فما يصبو إليك ولا يتوق .
جفاؤك كان عنك لنا عزاءً ... وقد يسلي عن الولد العقوق .
ومنه : من مخلع البسيط .
أما ترى أنجم الدياجي ... تزهر في جوها النقي .
تحكي لنا لؤلؤاً نثيراً ... على بساطٍ بنفسجي .
ومنه : من المتقارب .
وقد شاكلت في أديم السما ... نجوم الثريا للحظ المقل