ما زال يلهيني وألهو به ... حتى انثنى الظَّبي على معصمي .
وكلما حاول أن يهتدي ... نكَّس بالرَّاس كفعل الحم .
رقَّ له قلبي فقلَّبته ... نقدي للدِّينار والدِّرهم .
ولم أزلأدنيه من مهجتي ... حتى لقد اسكنته أعظمي .
جعلته من مقلتي ناظري ... ومن فؤادي في مكان الدَّم .
أستغفر الله فكم من لذةٍ ... قد نلتها منه بلا محرم .
قلت : شعرٌ منسجمٌ بلا غوص .
الجنّابيُّ .
الحسن بن بهرامٍ أبو سعيدٍ الجنَّابي - بفتح الجيم وتشديد النون وبعد الألف باءٌ موحدة - كبير القرامطة ظهر سنة ستٍ وثمانين ومائتين بالبحرين واجتمع إليه جماعةٌ من الأعراب والقرامطة وقوي أمره فقتل من حوله من القرى وكان أبو سعيدٍ أولاً يبيع للناس الطعام ويحسب لهم بيعهم . ثم أن أمرهم عظم وقربوا من نواحي البصرة فجهّز إليهم المعتضد جيشاً مقدمه العبَّاس بن عمرو الغنوي فتواقعوا وقعةً شديدةً وانهزم العبَّاسيون وأسر العبَّاس وذلك في شعبان سنة سبعٍ وثمانين وقتل أبو سعيد الأسرى وحرقهم بالنار واستبقى العباس ثم أطلقه بعد أيامٍ وقال له امض إلى صاحبك وعرِّفه ما رأيت . فدخل إلى المعتضد وخلع عليه . ثم إن القرامطة دخلوا بلاد الشام سنة تسعٍ وثمانين ومائتين وجرت بين الطائفتين وقعاتٌ وكان أبو سعيد قد استولى على هجر والقطيف والطائف وسائر بلاد البحرين فلمّا كان سنة إحدى وثلاثمئة كان لأبي سعيدٍ غلامٌ صقلبي أراده على الفاحشة في الحمام فقتله وخرج فدعا رجلاً من رؤساء اصحابه وقال له : السيد يستدعيك فلما دخل قتله وما زال يفعل ذلك بواحد بعد واحد حتى قتل أربعة من الأعيان ثم دعا الخامس فلما رأى القتلى صاح فصاح النساء واجتمعوا على الغلام فقتلوه . وكان المعتضد قد وادع الجنَّابي وكفَّ عن قتاله وبقي بناحيةٍ من هجر في البريّة إلى أن قتل . وكان علي بن عيسى الوزير قد كاتبه وأعذر إليه وحضَّه على الطاعة ووبَّخه على ما يحكى عنه وعن أصحابه من ترك الصلوات والزكاة واستباحة المحرَّمات ثم توعَّده وهدَّده فبلغ الرسل مقتله وهم بالبصرة فهمُّوا بالعود فكتب إليهم أن يتوجَّهوا إلى من قام بعده وأوصلوا الكتاب إلى أولاده فكتبوا جوابه وقالوا : نحن لم ننفرد عن الطاعة والجماعة بل أفردنا عنها وأخرجنا من ديارنا واستحلَّت دماؤنا وكنَّا قبل مستورين مقبلين على تجارتنا ومعايشنا ننزِّه أنفسنا عن المعاصي ونحافظ على الفرائض فنقم علينا سفهاء الناس وتظاهروا وشهدوا علينا بالزور وأن نساءنا بيننا بالسَّوية وأنّا لا نحرِّم حراماً ولا نحلُّ حلالاً فخرجنا هاربين وجعلوا السَّلاسل في رقاب من بقي منّا وأجلونا إلى هذه الجزيرة وحاربونا فحاكمناهم إلى الله تعالى وأمّا ما ادُّعي علينا من الكفر وترك الصلاة فنحن تائبون مؤمنون بالله . فكتب الوزير بعدهم الاحسان وقام بعد أبي سعيدٍ ولده أبو طاهر سليمان وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف السين . وقد حرَّر ذكر القرامطة وساقه جيداً ابن الأثير في تاريخه الكامل .
ركن الدولة صاحب أصبهان .
الحسن بن بويه أمير أصبهان تقدَّم نسبه عند ذكر أخيه أحمد وهو ركن الدَّولة أخو معزّ الدولة الدَّيلمي . كان ركن الدَّولة صاحب أصبهان والريّ وهمذان وجميع عراق العجم وهو والد عضد الدولة فناخسرو ومؤيد الدولة أبي منصور بويه وفخر الدولة أبي الحسن علي . وكان ركن الدولة ملكاً جليل القدر عالي الهمَّة وكان ابن العميد أبو الفضل وزيره ولما توفي ابن العميد استوزره ولده أبا الفتح عليّاً وكان الصاحب ابن عبادٍ وزير ولده مؤيد الدولة ولما توفي وزر لفخر الدولة وكان مسعوداً في ملكه ورزق السعادة في أولاده الثلاثة وقسم عليهم الممالك فقاموا بها أحسن قيام . وكان ركن الدولة المذكور أوسط الإخوة الثلاثة وهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة الحسن المذكور ومعز الدولة أحمد أصغرهم . وملك أربعاً وأربعين سنة وشهراً وتسعة أيام ومات بالريّ سنة ست وستين وثلاثمائة ومولده تقديراً سنة أربع وثمانين ومائتين .
النوين الشيخ حسن