حرملة بن المنذر بن معد يكرب بن حنظلة بن النُّعمان بن حيَّة بن سعنة هو أبو زبيد الطائي . كان نصرانياً . وهو أحد المعمَّرين يقال إنه عاش مئة وخمسين سنة وأدرك الإسلام ولم يسلم واستعمله عمر بن الخطاب على صدقه قومه ولم يستعمل عمر نصرانياً غيره . وبقي إلى أيام معاوية ورثى علي بن أبي طالب . وكان ينادم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بالكوفة فلمّا خرج الوليد عنها وشهد عليه بشرب الخمر قال أبو زبيد : من الخفيف .
فلعمر الإله لو كان للسي ... ف مصالٌ وللسِّنان مجال .
ما تناسيتك الصفاء ولا الودَّ ... ولا حال دونك الأشغال .
ولحمَّيت لحمك المتغضي ... ضلَّةً من ضلالهم ما اغتالوا .
غير ما طالبين ذحلاً ولكن ... مال دهرٌ على أناس فمالوا .
وكان أبو زبيد من زوّار الملوك خاصّة ملوك العجم وكان عالماً بسيرتهم فكان عثمان بن عفان رضي الله عونه يقرِّبه ويدني مجلسه فيتذاكران مآثر العرب وأشعارها . فالتفت إليه عثمان وقال له : يا أخا تبَّع المسيح أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنّك تجيد الشعر فأنشده قوله يصف الأسد : من البسيط .
من مبلغٌ قومي النائين إذ شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيقٌ ولع .
والدار إن تنئهم عني فإنّ لهم ... ودّي ونصري إذا أعداؤهم نصعوا .
منها في ذكر الأسد : .
كأنما يتفادى أهل أمرهم ... من ذي زوائد في أرساغه فدع .
ضرغامة أهرت الشدقين ذي لبد ... كأن برنساً في القاع مدّرع .
بالثّني أسفل من جمّاء ليس له ... إلاّ بنيه وإلاّ عرسه شيع .
ابنَّ عرنسةً عنّابها أشبٌ ... ودون غايتها مستوردٌ شرع .
شاس الهبوطرنا الحاميين متى ... ينشع بوادره يحدث لها فزع .
أبو شتيمين من حصّاء قد أفلت ... كأن أطباءها في رفعها رقع .
أعطتهما جهدها حتى إذا وحمت ... وصدّا فلا غيل ولا جذع .
ثم استفاها ولم يقطع فطاءهما ... عن التصبب لا شعب ولا قذع .
وردين قد أخذا أخلاق شيخهما ... ففيهما جرأة الظلماء والجشع .
غذاهما بدماء القوم مذ شديا ... فما يزال بوصلي راكب يضع .
على جناجنه من ثوبه هببٌ ... فيهنَّ من صائك مستكره دفع .
أفرَّ عنه بنو الخالات جرأته ... لا الصَّيد يمنع منه وهو ممتنع .
فيما اكتسبن رئيسٌ غير منتقص ... وليس فيما يرى من كسبه طمع .
مستصرع ما دنا منهنّ مكتنت ... بالعرق محتلماً ما فوقه قنع .
على حطامٍ من القصباء عندهما ... من شكَّة القوم مجزوع ومنصدع .
سهمٌ وقوسٌ وعكّازٌ وذو شطب ... لم يتَّرك لومةً في رقه الصَّنع .
مفراً وآخر مرتد بداميةٍ ... ومحنق بعدما التجنيق مطلع .
ألفاه غيَّر بعد القوم رحلته ... فلم يعرِّج عليه القوم واندفعوا .
فأبصرته وراء القوم كالئة ... عينٌ ولو أرقت ما إن بها قمع .
فأجمرت حرجاً خوصاً وقد ذبلت ... وأيقنت أنه قد كلل الشبع .
وقد دعا دعوةً والسّاق شاخصةٌ ... فوق العراقي فلم يلووا وقد سمعوا .
وثار إعصار هيج بينهم وخلت ... بالكور لأياً وبالأنساع تمتصع .
شجراً وغدراً وعيناً غير غافلة ... عن الغبار وظناً أن ستتَّبع .
وخرَّ مستلقياً منها لهامته ... وشنّه حبلها في خربه قطع