فاستحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم ثم قال له : والله إنها لدون شعرك ثم قال له : والله ما مثل هذا القول في الحسن إلاّ ما رثيت به محمد بن حميد الطوسي فقال : وأي ذلك أراد الأمير ؟ قال قصيدتك الرائية التي أوّلها : من الطويل .
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر .
وددت والله أنها لك فيّ فقال : أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدَّم قبله فقال أبو دلف : أنه لم يمت من رثي بهذا الشعر .
ويقال أنه مدح بعض الخلفاء بقصيدته التي أوّلها : من الكامل .
ما في وقوفك ساعةً من باس ... نقضي حقوق الأربع الأدراس .
فلما انتهى إلى قوله : .
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس .
فقال له الوزير : تشبّه أمير المؤمنين بأجلاف العرب ! .
! .
؟ فأطرق ساعةً ثم رفع رأسه وأنشد : من الكامل .
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلاً شرودا في الندى والباس .
فالله قد ضرب الأقلَّ لنوره ... مثلاً من المشكاة والنِّبراس .
ولما أخذت القصيدة منه لم يوجد هذان البيتان فيها فعجبوا من سرعة فطنته وقال الوزير للخليفة : أيّ شيء طلب أعطه إياه فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوماً لأنه قد ظهر في عينيه الدَّم من شدة الفكرة فقال له الخليفة : ما تشتهي فقال : أريد الموصل فأعطاه إياها فتوجّه إليها ولم يصل إليها بل مات في الطريق . ولا صحة لهذا لكنَّ هذه الحكاية استطارت . والذي ذكره الصولي أنه لما أنشد هذه القصيدة لأحمد بن المعتصم وجرى ما جرى كان أبو يوسف الكندي حاضراً قال : هذا الفتى يموت قريباً . قيل إنه سمع ختيشوع بن جبريل الطبيب أبا تمام ينشد الحسن بن سهل أبياتاً له من قصيدة وهي : من الوافر .
فتى كشفت له حدق المعاني ... محاجرها بأجفان القلوب .
فأعرق في دقيق الفكر حتى ... كأنَّ ضميره بعض الغيوب .
سليل أبوَّة وجدوا العطايا ... غيوثاً عند عربدة الجدوب .
صفت أفهامهم حتى كأنيّ ... مقيمٌ في أناس من قلوب .
كلام كالخدود من العذارى ... إذا أرسى بسمع من أديب .
جرى في جدوليه لسان فكرٍ ... بألفاظ مشققة الجيوب .
أرقَّ من المدامع في التَّصابي ... وأحلى من مشافهة الذنوب .
فقال : هذا كلام رجلٍ قد أحرق الفكر دمه وما أقلَّ بقاءه فاستكثروا منه . فلم تطل مدة أبي تمام بعد هذا حتى اخترم . وقال شمس الدين ابن خلكان : قد تتبعت هذه الولاية للموصل وحققتها فلم أجد سوى أن الحسن بن وهب ولاّه بريد الموصل فأقام أقلّ من سنتين ثم مات بها... سنة إحدى وثلاثين ومئتين وقيل سنة ثمان وعشرين ومئتين وقيل سنة اثنتين وثلاثين . ومولده سنة تسعين ومئة وقيل سنة ثمان وثمانين وقيل سنة اثنين وسبعين وقيل سنة اثنتين وتسعين ومئة . وبنى عليه أبو نهشل بن حميدٍ الطوسي قبةً خارج باب الميدان على حافة الخندق . وحكى عفيف الدين أبو الحسن علي بن عدلان الموصليُّ النحوي المترجم قال : سألت شرف الدين بن عنين عن معنى قوله : من الطويل .
سقى الله روح الغوطتين ولا ارتوت ... من الموصل الحدباء إلاّ قبورها .
ولم حرمها وخصَّ القبور ؟ فقال لأجل أبي تمام . ولما مات رثاه الحسن بن وهب بقوله : من الكامل .
فجع الريض بخاتم الشعراء ... وغدير روضته حبيب الطائي .
ماتا معاً فتجاورا في حفرةٍ ... وكذاك كانا قبل في الأحياء .
وقال الحسن أيضاً : من الوافر .
سقى بالموصل القبر الغريبا ... سحائب تنتحبن له نحيبا .
إذا أظللنه أظللن فيه ... شعيب المزن تتبعه شعيبا .
ولطّمن البروق به خدوداً ... وشقَّقن الرعود به جيوبا .
فإنّ تراب ذاك القبر يحوي ... حبيباً كان يدعى لي حبيبا .
وقال محمد بن عبد الملك الزيات وقيل أبو الزِّبرقان عبد الله بن الزبرقان الكاتب مولى بني أمية : من الكامل .
نبأٌ أتى من أعظم الأنباء ... لما ألمّ مقلقل الأحشاء .
قالوا حبيبُ قد ثوى فأحبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي