وولد سنة سبع ومئتين وقتل سنة سبع وأربعين ومئتين .
وكان أسمر مليح العين نحيف الجسم خفيف العارضين إلى القصر أقرب .
وأمه أم ولد اسمها شجاع .
ولما استخلف أظهر السنة وتكلم بها في مجلسه وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة وبسط أهلها ونصرهم .
وأقام الحج للناس سنة سبع وعشرين قبل الخلافة .
وقال إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة : الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية والمتوكل محا البدع وأظهر السنة .
وقال محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب : إني جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل وذلك أن صاحبنا عمر بن عبد العزيز جاء الله به يرد المظالم وجاء الله بالمتوكل يرد الدين .
وقال يزيد المهلبي : قال لي المتوكل يوماً : يا مهلبي إن الخلفاء كانت تتعصب على الرعية لتطيعها وأنا ألين لهم ليحبوني ويطيعوني .
يقال أنه سلم عليه بالخلافة ثمانية كل منهم ابن خليفة : منصور بن المهدي والعباس بن الهادي وأبو أحمد بن الرشيد وعبد الله بن الأمين وموسى بن المأمون وأحمد بن المعتصم ومحمد بن الواثق وابنه المنتصر بن المتوكل .
وكان جواداً ممدحاً يقال : ما أعطى خليفة ما أعطى المتوكل .
وبايع بولاية العهد لولده المنتصر ثم أراد عزله وتولية أخيه المعتز لمحبته لأمه وكان يحضر مجالس العامة ومحط منزلته .
ويتهدده ويشتمه لأنه سأله النزول فأبى .
واتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأنه صادر وصيفاً وبغا فاتفقوا مع المنتصر على قتل أبيه فدخلوا عليه في مجلس لهوه في الليل وقتلوه .
رآه بعضهم في النوم فقيل له ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها .
ورؤي أيضاً كأنه بين يدي الله تعالى فقيل له : ما تصنع ههنا ؟ قال أنتظر محمداً ابني أخاصمه إلى الله الحليم الكريم العظيم .
ولم يصح عنه النصب .
وقيل أنه كان له أربعة آلاف سرية وطئ الجميع . ولم يعلم أحد متقدم في هزل أو جد إلا حظي في دولته .
ودخل دمشق وعزم على المقام بها لأنها أعجبته ونقل دواوين الملك إليها وأمر بالبناء بها ثم استوبل البلد لأن الهواء بها بارد ندي والماء ثقيل والريح يهب فيها مع العصر فلا يزال يشتد حتى تمضي عامة الليل وهي كثيرة البراغيث .
وغلت عليه الأسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة فأقام بها شهرين وأياماً ثم رجع إلى سر من رأى وكان قد بنى بأرض داريا قصراً عظيماً ووقعت من قلبه بالموافقة .
وقال يزيد بن المهلب يمدحه لما عزم على المقام بدمشق بأبيات منها : - من الوافر - .
أظن الشام تشمت بالعراق ... إذا عزم الإمام على انطلاق .
فإن تدع العراق وساكنيها ... فقد تمنى المليحة بالطلاق .
وصارت ليلة المتوكل مثلاً يضرب لكل ليلة سرور يصاب فيها صاحبها .
قال الشاعر : - من الكامل - .
كم آمنٍ متحصنٍ في جوسقٍ ... قد بات منه بليلة المتوكل .
وكان المتوكل قد أمر في سنة ست وثلاثين ومائتين بهدم قبر الحسين Bه وهدم ما حوله من الدور وأن بعمل مزارع ومنع الناس من زيارته وحرث وبقي صحراء وكان معروفاً بالنصب فتألم المسلمون لذلك وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان وهجاه الشعراء دعبل وغيره .
وفي ذلك يقول يعقوب بن السكيت وقيل هي للبسامي علي بن أحمد وقد بقي إلى بعد الثلاث مائة . - من الكامل - .
بالله إن كانت أمية قد أتت ... قتل ابن بنت نبيها مظلوما .
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ... هذا لعمرك قبره مهدوما .
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا ... في قتله فتتبعوه رميما .
ومن شعر المتوكل : - من الطويل - .
صبرت على ذل الهوى لمغاضب ... فزاد لذلي عزةً وتجنبا .
أقلب طرفي في الجميع فلا أرى ... نظيراً لمن أهوى وإن كان مذنبا .
وأقبل مرةً على ولده المنتصر فلم يقم له إلى أن قرب منه وكان قد ولاه العهد فقال : - من الطويل - .
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... ولو أخذوا بالحزم ما سمنوا الكلبا .
وشعر المتوكل كثير وهو غير مرضي كقوله يرثي والدته : - من المجتث - .
إني وجدت اليوم حقاً فوق وجد العالمينا