بيبغا آروس الأمير سيف الدين نائب السلطنة بالديار المصرية ؛ أول ما ظهر وشاع ذكره في الأيام الصالحية ثم لما كان في قتلة المظفر حاجي ظهر واشتهر وباشر النيابة بمصر على أحسن ما يكون وأجمل ما باشره غيره لأنه أحسن إلى الناس ولم يظلم أحداً . وكان إذا مات أحد أعطى إقطاعه لولده فأحبه الناس محبةً كثيرة وكان الأمير سيف الدين منجك أخوه فولاه الوزارة فاختلف الناس من الأمراء الخاصكية لأجل أخيه فأرضاهم بعزله يويمات ثم إنه أخرج الأمير شهاب الدين أمير شكار إلى نيابة صفد ثم أخرج بعده الأمير سيف الدين الجيبغا إلى دمشق على ما تقدم في ترجمته ثم الأمير حسام الدين لاجين العلائي زوج أم المظفر إلى حماة . ولم يزل على حاله في النيابة لا يفعل إلا خيراً ولا يسمع عنه سوء وهو محسن إلى الناس . ولما كان في زمن الوباء أعطى أولاد من يموت إقطاع أبيهم وحضرت إليه امرأة معها بنتان وقالت هؤلاء مات أبوهن ولم يترك لي ولهم شيئاً غير إقطاعه فقال لناظر الجيش : اكشف عبرة هذا الإقطاع فكشفه فقال : يعمل خمسة عشر ألفاً فقال : من يعطي في هذا عشرين ألف درهم ويأخذه . فقال واحد : أنا أعطي فيه اثني عشر ألفاً فقال : هاتها فوزنها فقال للمرأة : خذي هذه الدراهم وجهزي بنتيك بها . وكان فيه خير كثير إلى أن عزم على الحج ولما تعين رواحه حضر إليه أخوه منجك الوزير وقال له : بالله لا تروح يتم لنا ما جرى للفخري ولطشتمر فلم يسمع منه وتوجه إلى الحجاز هو وأخوه فاضل ومامور والأمير سيف الدين طاز والأمير سيف الدين بزلار وغيرهم من الأمراء فأمسك بعده الأمير سيف الدين منجك الوزير بأيام قلائل على ما سيأتي في ترجمة منجك وأمسك هو على الينبع في سادس عشرين القعدة سنة إحدى وخمسين وسبع مائة فقال لطاز : أنا ميت لا محالة فبالله دعني أحج فقيده وأخذه إلى الحج وحج وطاف وهو مقيد وسعى على كديش ولم يسمع بمثل ذلك في وقت ؛ ولما عاد من الحجاز تلقاه الأمير سيف الدين طينال الجاشنكير وأخذه وحضر به إلى الكرك وسلمه إلى النائب بها وتوجهوا بأخيه فاضل إلى القاهرة مقيداً . وكان دخوله إلى الكرك في يوم الأحد سابع المحرم سنة اثنتين وخمسين وسبع مائة وقلت أنا فيه : .
تعجب لصرف الدهر في أمر بيبغا ... ولا عجب فالشمس في الأفق تكسف .
لقد ساس أمر الملك خير سياسة ... ولم يك في بذل الندى يتوقف .
وأمسك في درب الحجاز فلم يكن ... له في رضى السلطان عن ذاك مصرف .
وسلم للأقدار طوعاً وما عنا ... ولو شاء خلى السيف بالدم يرعف .
وسار إلى البيت الحرام مقيداً ... وريح الصبا تعتل والورق تهتف .
فيا عجباً ما كان في الدهر مثله ... يطوف ويسعى وهو في القيد يرسف .
وعاجوا به من بعد للكرك التي ... على ملكها نفس الملوك تأسف .
وأودع في حصن بها شامخ الذرى ... تراه بأقرط النجوم يشنف .
سيؤيه من آوى المسيح بن مريم ... وينجو كما نجى من الجب يوسف .
ولم يزل في الاعتقال بالكرك إلى أن خلع الملك الناصر حسن وتولى الملك السلطان الصالح صلاح الدين فرسم بالإفراج عنه وعن الأمير سيف الدين شيخو وبقية الأمراء المعتقلين بالإسكندرية ووصل إلى القاهرة فوصله وخلع عليه ورسم له بنيابة حلب عوضاً عن الأمير سيف الدين أرغون الكاملي لما رسم له بنيابة الشام فحضر إلى دمشق نهار السبت ثالث عشرين شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبع مائة ومعه الأمير عز الدين طقطاي ليقره في نيابة حلب ويعود ؛ ولما وصل إلى غزة عمل له الأمير سيف الدين بيبغا تتر نائب غزة سماطاً فأكله ولما فرغ منه أمسكه وجهزه إلى الكرك مقيداً ليعتقل به على ما بلغني في ذلك .
بيبغا