أبو بكر بن محمد بن غانم ذكر تمام نسبه في ترجمة أخيه أحمد بن محمد هو أحد الإخوة كان كاتب إنشاء بطرابلس ثم حضر إلى دمشق وكتب الدرج قدام الصاحب شمس الدين . ثم لما عزل زين الدين عمر بن حلاوات من توقيع صفد توجه بهاء الدين إليها وأقام بها تقدير تسع سنين . فلما توفي زين الدين ابن حلاوات بطرابلس سنة سبع وعشرين وسبع مائة جهز بهاء الدين إلى طرابلس كاتب سر عوضه ولم يزل بها إلى سنة خمس وثلاثين وسبع مائة فتوفي في هذه السنة C تعالى . وكان حسن الشكل لطيف العشرة عليه أنس في السماع وله حركة في الرقص . وكان قد حصل له ميل إلى طقصبا وهو صبي يغني وكان يعمل به السماعات ويرقص على غنائه ويحصل له وجد عظيم .
أنشدني من لفظه لنفسه : .
لا ترجى مودةً من مغن ... فمعنّى الفؤاد من يرتجيها .
أبداً لا تنال منه وداداً ... ولك الساعة التي أنت فيها .
وأنشدني أيضاً لنفسه : .
كدت أبلى ببليه ... من جفون بابليه .
فتكت في القلب لكن ... كانت التقوى تقيه .
وأنشدني لنفسه : .
يا من غدا مشتغلاً ... عمن به يشتغل .
بيتك قلبي وهو من ... هجرك لي يشتعل .
وأنشدني لنفسه في بدر الدين ابن الخشاب وشرف الدين ابن كسيرات وكان له عذبة : .
يا ماعراً صفداً مذ حل منصبها ... وحل بالشد عقداً من مآثرها .
دقت بدرة نحس لا خلاق له ... أما تراها علت أكتاف ناظرها .
وأنشدني لنفسه : .
يا سيداً حسنت مناقب فضله ... فعلت بما فعلت على الآفاق .
حاشاك تكسر قلب عبد لم يزل ... توليه حسن صنائع الإشفاق .
هب أنه أخطا وأذنب مرةً ... مولاي أين مكارم الأخلاق .
وجهز إلي من طرابلس وأنا بدمشق وقد تأخرت مكاتباتي عنه ثلاثة أوصال ورقاً أبيض وكتب في ذيلها ولم يكتب غير ذلك : .
سبحان من غير أخلاق من ... أحسن في حسن الوفا مذهبا .
كان خليلاً فغدا بعد ذا ... لما انقضى ما بيننا طقصبا .
أشار إلى أمر طقصبا المذكور . وكان له عم أسود زوج أمه فكان ينغص علينا الاجتماع بحضوره . ولما كتب هذه الأبيات كان طقصبا المذكور قد توفي بصفد من مدة لحسن إبراز هذين البيتين في هذه الصورة فكتبت الجواب إليه : .
يا باعث العتب غلي عبده ... وما كفاه العتب أو ندبا .
ومذكري عهداً لبسنا به ... ثوب سرور بالبها مذهبا .
مر فلم يحل لنا بعده ... عيش ولم نلق الهوى طيبا .
ما كل ذي ود خليل ولا ... كل مليح في الورى طقصبا .
فحبذا تلك الليالي التي ... كم يسر الله بها مطلبا .
ما أحد في مثلها طامع ... هيهات فاتت في المنى أشعبا .
وينهي بعد دعاء يرفعه في كل بكرة وأصيل وولاء حصل منه على النعيم المقيم ولا يقول وقع في العريض الطويل وثناء إذا مر في الرياض النافحة صح أن نسيم السحر عليل وحفاظ ود يتمنى كل من جالسه لو أن له مثل المملوك خليل ؛ وورد المثال الكريم فقابل منه اليد البيضاء بل الديمة الوطفاء بل الكاعب الحسناء وتلقى منه طرة صبح ليس للدجى عليها أذيال وغرة نجح ما كدر صفاءها خيبة الآمال ؛ فلو كان كل وارد مثله لفضل المشيب على الشباب ونزع المتصابي عن التستر بالخطاب ورفض السواد ولو كان خالاً على الوجنة وعد المسك إذا ذر على الكافور هجنة وأين سواد الدجى إذا سجى من بياض النهار إذا انهار وأين وجنات الكواعب النقية من الأصداغ المسودة بدخان العذار وأين نور الحق من ظلمة الباطل وأين العقد الذي كله در من العقد الذي فيه السبج فواصل يا له من وارد تنزه عن وطء الأقلام المسودة وعلا قدره عن السطور التي لا تزال وجوهها بالمداد مربدة حتى جاء يتلألأ بياضاً ويتقد وأتى يتهادى في النور الذي تعتقد فيه المجوسية ما تعتقد ولكن توهم المملوك أن تكون صحف الود أمست مثله عفاء وظن بأبيات العهود السالفة أن تكون كهذه المراسلة من الرقوم خلاء : .
لو أنها يوم المعاد صحيفتي ... ما سر قلبي كونها بيضاء