ولما توفي في طريق الحجاز عائداً سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة خلف من الأموال والجواهر والأصناف والأمتعة والقماش ما يزيد عن الحد . قال لي المهذب كاتبه : أخذ السلطان من خيله أربعين فرساً قال لي هذه لي ما وهبته إياها . وأبعنا الباقي على ما انتهبه الخاصكية وأخذوه بالثمن البخس بما مبلغه ألفا ألف درهم ومائتا ألف درهم وثمانون ألف درهم خارجاً عما في الجشارات . وأنعم السلطان بالزردخاناه والسلاح خاناه التي له على الأمير سيف الدين قوصون بعدما أخذ منها سرجاً واحداً وسيفاً واحداً . فقال المهذب كاتبه : قيمتها ستمائة ألف دينار . وأخذ السلطان له ثلاثة صناديق جوهراً مثمناً ما لا يعلم لها قيمة وأبيع له من الآلات والصيني والكتب والختم والربعات والبخاري نسخ مختلفة ومن الأدوية الفولاذ والمطعم واليصم وغير ذلك والفراء الوبر والأطلس وأنواع القماش الاسكندري والبغدادي وغير ذلك شيء كثير إلى الغاية المفرطة ؛ ودام البيع لذلك مدة شهر . وكان مع ذلك كله وافر العقل والسكون والحرمة والحشمة قريباً من الناس يتلطف بهم ويسوسهم أحسن سياسة ومن دخل في أمره قضي شغله على أكمل الوجوه . وكان السلطان لا يخالفه في شيء وإذا أنعم على أحد بوظيفة أو غير ذلك يقول : روح إلى الأمير بوس يده . وكان يحجز على السلطان ويمنعه كثيراً عن أشياء من المظالم والعسف ظهرت من السلطان بعد موت بكتمر C تعالى . ولما توجه السلطان إلى الحجاز توجه معه سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة وظهر بتجمل زائد وحشمة وافرة . كنت في سرياقوس لما خرجوا ورأيت ما هالني وخرج ساقة للناس كلهم فكان ثقله وحاله نظير ما للسلطان ولكن يزيد على ذلك بالزراكش وآلات الذهب . وتنكر السلطان له في الطريق واستوحش كل منهما من صاحبه . فاتفق أنه في العود مرض ولده أحمد ومات قبل والده بثلاثة أيام . ثم إن بكتمر مات بعد ذلك وكان السلطان قد عمل أحمد في تابوت وحمله معه فلما مات أبوه دفن الاثنين في الطريق عند نخل وحث السير بعد ذلك . وكان السلطان تلك السفرة كلها لا يبيت إلا في برج خشب وبكتمر عنده وقوصون على الباب والأمراء المشايخ كلهم حول البرج ينامون بسيوفهم . فلما مات بكتمر ترك المبيت في البرج فعلم الناس أن ذلك كان خوفاً من بكتمر . ووجد في خزانة بكتمر في طريق الحجاز خمس مائة تشريف منها ما هو أطلس بزركش وحوايص وكلوتات ذهب وما دون ذلك من خلع المتعممين ومن دونهم من الأمراء والأجناد ووجدوا على ما قيل فيها قيوداً وزناجير والله أعلم بحقيقة الباطن في ذلك . ويقال إنه لما مرض دخل إليه السلطان يوماً فقال له بكتمر : بيني وبينك الله تعالى فقال السلطان : كل من عمل شيئاً يلتقيه . ولما مات صرخت أم أحمد امرأته وبكت إلى أن سمعها الناس تتكلم بكلام قبيح في حق السلطان من جملته : أنت تقتل مملوكك إيش كان ولدي ! .
فقال : بس تفشرين هاتي مفاتيح صناديقه فأنا كل شيء أعطيته من الجوهر أعرفه واحداً واحداً . فرمت المفاتيح إليه فأخذها . ولما حضر السلطان إلى القلعة أظهر الندم عليه والأسف وأعطى أخاه قماري إمرة مائة وجعل يقول : ما بقي يجينا مملوك مثل بكتمر . ثم إنه أمر بحمل رمته ورمة ولده من طريق الحجاز وأحضرهما إلى تربتهما بالقرافة . وكان للزمان به جمال ولبيت السلطان به رونق عظيم . جاء أحمد بن مهنا بعد موته إلى القاهرة فقال : بيت السلطان الآن يعوز شيئاً وذلك الشيء هو كان بكتمر الساقي . يقال إنه لما مات في طريق الحجاز كان في محفة سائراً والسلطان خلفه بقدر رمية نشاب . يسير فإذا وقفوا به وقف وإذا مشوا به مشى ويجهز إليه بغا الدوادار يكشف خبره . فلما جاء إليه وقال : يا خوند مات ساق في مماليكه الخاصكية وقال للأمير سيف الحاج بهادر المعزي : يا أمير قف غسله وادفنه هو وولده في هذا المكان . وخلاه وحث السير فنزل الأمير سيف الدين قوصون عن هجينه بعدما عرج عن الطريق يظهر أنه يريق الماء واستند إلى الهجين وجعل يبكي والمنديل على عينيه . فقال له المملوك الذي معه : يا خوند . ليش تبكي ما عدوك ! .
فقال : وا لك أنا ما أبكي إلا على نفسي هكذا يفعل ببكتمر ؟ ومن فينا مثل بكتمر ؟ ومن بقي بعد بكتمر ؟ ما بقي إلا أنا ! .
وكان بكتمر من أحسن الناس شكلاً حسن الوجه له لحية مدورة حمراء بسواد يسير أبيض ساطع البياض مشرباً