وهي سبعة عشر بيتاً قالها في الوزير ابن البلدي فأتى ابن حلاوات بالبيت الأول وليس للفاء في قوله فعد محل . ثم إن الأمير سيف الدين توجه مع السلطان لما جاء من الكرك إلى مصر وولاه . ثم ولاه الوزارة ثم إنه قبض عليه لما قبض على أيدغوي شقير وبقي في الاعتقال مدة سنة ونصف ثم أخرجه وجهزه إلى صفد نائباً وأنعم عليه بمائة ألف درهم وكان قد أخذ له مالاً كثيراً إلى الغاية فأقام بها عشرة أشهر تقريباً ؛ ثم طلب إلى مصر وكان من جملة الأمراء الذين يجلسون وإذا تكلم السلطان في المشور لا يرد عليه أحد غيره لما عنده من المعرفة والخبرة . وكان قد تزوج ابنة الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك وعمر له داراً ظاهر باب النصر على القاهرة وعمر هناك مدرسة إلى جانبها وكان لأصحابه به نفع كبير بجاهه لا يبخل على أحد ممن يعرفه بذلك وإشاراته مقبولة عند أرباب الدولة . ثم إنه سرق له من الخزانة مال كثير ادعى في الظاهر أنه مبلغ مائتي ألف درهم وكان في الباطن على ما قيل سبع مائة ألف أو أكثر فما جسر يقول الكل خوفاً من السلطان وكان قدودار والي القاهرة فرسم له السلطان يتتبع ذلك فيقال إن القاضي فخر الدين وبكتمر الساقي والجمالي الوزير عاملوا في الباطن عليه وحمل إليهم بعض العملة فشرعوا يحجفون عن المتهمين وإذا قال السلطان للوالي : إيش عملت في عملة الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب ؟ يقول القاضي فخر الدين : يا خوند لعن الله ساعة هذه العملة كل يوم يموت الناس تحت المقارع وإلى متى يقتل المتهم الذي لا ذنب له ! .
ثم في آخر الحال وقف الأمير سيف الدين بكتمر للسلطان في دار العدل وشكا وتضور فخرج السلطان وأحضر الوالي وسبه وأظهر غيظاً عظيماً فقال : يا خوند اللصوص الذين أمسكتهم وعاقبتهم أقروا بأن خزنداره سيف الدين بخشي اتفق معهم على أخذ المال وجماعة من ألزامه الذين في بابه فقال السلطان للجمالي الوزير : أحضر هؤلاء المذكورين وعاقبهم فأحضرهم وعاقبهم وعصر هذا بخشي وكان عزيزاً عنده قد زوجه بنته وهو واثق بعقله ودينه وأمانته . فقال بخشي : يا خوند أنا والله الذي تحت يدي لأستاذي ما يعرفه ولا يدري كم هو فما أحتاج أخلي غيري يأخذ معي ما أردت أن أسرقه . ولما بلغ الأمير سيف الدين عصر بخشي وجماعته علم أن ماله قد راح فحصل له غيظ عظيم وغم وغبن فمات فجأة من الظهر إلى العصر سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة . وكان له حرص عظيم في جمع المال إلى الغاية مفرط له الأملاك الكثيرة في كل مدينة في الشام وفي القاهرة ومصر بحيث أن له في كل مدينة ديواناً فيه مباشرون وله قدور فول وحمص وغير لك من الأواني والآلات التي تكرى . وكان مبخلاً جداً ؛ حكى لي الشيخ فتح الدين قال : كنت عنده يوماً وبين يديه صغير من أولاده وهو يبكي ويتعلق في رقته ويبوس صدره فلما طال ذلك من الصغير قلت له : يا خوند ما به ؟ قال : شيطان يريد قصب مص فقلت : يا خوند اقض شهوته قال فقال : يا بخشي سير إلى السوق أربعة فلوس هات له عوداً فلما حضر العود وجدوا الصغير مما تغنى وتعذب قد نام فقال الأمير : هذا قد نام ردوا العود وهاتوا الفلوس . وأخذ السلطان من ماله شيئاً كثيراً إلى الغاية .
الأمير سيف الدين الساقي