وأنشدهما في حلقة يونس النحوي فسعى به إلى وزيره يعقوب بن داود وكان بشار قد هجاه بقوله : .
بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود .
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الناي والعود .
فدخل الوزير يعقوب على المهدي وقال : يا أمير المؤمنين إن هذا الملحد الزنديق قد هجاك قال : بم ذاك . فقال : لا أطيق أقوله فأقسم عليه فكتبهما فلما وقف عليهما كاد ينشق غيظاً . فانحدر إلى البصرة فلما بلغ البطيحة سمع أذاناً في وقت ضحاء النهار فقال : انظروا ما هذا ! .
فإذا بشار سكران فقال : يا زنديق عجبت أن يكون هذا غيرك ! .
أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران ؟ وأمر بضربه فضرب بالسياط بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطاً تلف منها ؛ وكان إذا أصابه السوط قال : حسّ . وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع فقال بعضهم : انظروا إلى زندقته وكيف يقول حسّ ولا يقول بسم الله فقال بشار : ويلك أطعام هو فأسمي الله عليه ؟ ! .
فقال له آخر : أفلا قلت الحمد لله ؟ فقال : أو نعمة هي فأحمد الله عليها ؟ ! .
وبان الموت فيه فألقي في سفينة حتى مات سنة ثمان وستين ومائة . وقد بلغ نيفاً وتسعين سنة . وقال في حال ضرب الجلاد له : ليت عيني أبي الشمقمق تراني حيث يقول : .
هللينه هللينه ... طعن قثّاة لتينة .
إن بشار بن برد ... تيس أعمى في سفينة .
وكان بشار يخاف لسان أبي الشمقمق ويصانعه في كل سنة بمبلغ من الذهب حتى يكف عنه . ووجد في أوراقه مكتوب : إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فذكرت قرابتهم من رسول الله A فأمسكت عنهم والله أعلم بحالهم . ويقال إن المهدي لما بلغه ذلك ندم على قتله وكان كثيراً ما ينشد قوله : .
سترى حول سريري ... حسّراً لطمن لطما .
يا قتيلاً قتلته عبدة ... الحوراء ظلما .
عبدة اسم محبوبته . ولما خرجت جنازته لم يتبعها إلا أمة سندية له عجماء تقول : واشيداه . واشيداه بالشين المعدمة . ومن شعر بشار بن برد : .
يا ابن نهيا رأس علي ثقيل ... واحتمال الرأسين خطب جليل .
ادع غيري إلى عبادة الاثنين ... فإني بواحد مشغول .
يا ابن نهيا برئت منك إلى الل ... ه جهاراً وذاك مني قليل .
فأشاع حماد عجرد هذه الأبيات عن بشار وجعل حماد مكان بواحد عن واحد ليصحح عليه الزندقة والكفر بالله فما زالت الأبيات تدور أيدي الناس إلى أن انتهت إلى بشار فاضطرب منها وجزع وقال : أشاط ابن الزانية بدمي والله وغيرها حتى شهر في الناس ما يهلكني . وقال حماد في بشار : .
لقد صار بشار بصيراً بدبره ... وناظره بين الأنام ضرير .
له مقلة عمياء واست بصيرة ... إلى الاير من تحت الثياب تشير .
على وده أن الحمير تنيكه ... وإن جميع العالمين حمير .
ومن شعره وهو في غاية الحكمة : .
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصاحة حازم .
ولا تحسب الشورى عليك غضاضةً ... فإن الخوافي رافد للقوادم .
وخل الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإن الحر ليس بنائم .
وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرأً غير كاتم .
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يويد بقائم .
فإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم .
؟ بشارة الشبلي الحسامي الكاتب .
مولى شبل الدولة صاحب المدرسة والخانقاه عند ثورا بدمشق . سمع مع مولاه حنبلاً وابن طبرزد وغيرهما . وروى عنه الدمياطي والأبيوردي وجماعة . وهو رومي الجنس وهو أبو أولاد بشارة المشهورين بدمشق . كان يكتب خطاً حسناً وذريته يدعون النظر على المدرسة والخانقاه المنسوبة إلى شبل الدولة المذكور . وتوفي C تعالى سنة أربع وخمسين وست مائة .
بشتاك الناصري