فقرأ العامل الكتاب على ابن القرية وقال له : تتوجه نحوه قال : أقلني قال : لا بأس عليك وأمر له بكسوة ونفقة وحمله إلى الحجاج فلما دخل عليه قال : ما اسمك ؟ قال : أيوب قال : اسم نبي ؛ وقال : أظنك أمياً تحاول البلاغة ولا تستصعب عليك مقالها . وأمر له بنزل ومنزل فلم يزل يزداد به عجباً حتى أوفده على عبد الملك بن مروان . فلما خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الطاعة بسجستان بعثه الحجاج إليه فلما دخل عليه قال له : لتقومن خطيباً ولتخلعن عبد الملك ولتسبن الحجاج أو لأضربن عنقك قال : أيها الأمير إنما أنا رسول قال : هو ما أقول لك فقام وخطب وخلع عبد الملك وشتم الحجاج وأقام هنالك فلما انصرف ابن الأشعث مهزوماً كتب الحجاج إلى عماله بالري وأصبهان وما يليهما أمرهم أن لا يمر بهم أحد من فل ابن الأشعث إلا بعثوا به أسيراً وأخذ ابن القرية فيمن أخذ . فلما أدخل على الحجاج قال : أخبرني عما أسألك عنه قال : سلني عما شئت قال : أخبرني عن أهل العراق قال : أسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم عنها ؛ قال : فأهل الشام ؟ قال : أطوع الناس لخلفائهم ؛ قال : فأهل مصر ؟ قال : عبيد من غلب ؛ قال : فأهل البحرين ؟ قال : نبط استعربوا ؛ قال : فأهل عمان ؟ قال : عرب استنبطوا ؛ قال : فأهل الموصل ؟ قال : أشجع فرسان وأقتل للأقران ؛ قال : فأهل اليمن ؟ قال : هم أهل سمع وطاعة ولزوم الجماعة ؛ قال : فأهل اليمامة ؟ قال : أهل جفاء واختلاق أهواء وأصبر عند اللقاء ؛ قال : فأهل فارس ؟ قال : أهل بأس شديد وشر عتيد وزيف كثير وقرىً يسير ؛ قال : أخبرني عن العرب قال : سلني قال : قريش ؟ قال : أعظمها أحلاماً وأكرمها مقاماً ؛ قال : فبنو عامر بن صعصعة ؟ قال : أطولها رماحاً وأكرمها صباحاً ؛ قال : فبنو سليم ؟ قال : أعظمها مجالس وأكرمها محابس ؛ قال : فثقيف ؟ قال : أكرمها جدوداً وأكثرها وفوداً ؛ قال : فبنو زبيد ؟ قال : ألزمها للرايات وأدركها للترات ؛ قال : فقضاعة ؟ قال : أعظمها أخطاراً وأكرمها نجاراً وأبعدها آثاراً ؛ قال : فالأنصار ؟ قال : أثبتها مقاماً وأحسنها إسلاماً وأكرمها أياماً ؛ قال : فبكر بن وائل ؟ قال : أثبتها صفوفاً وأحدها سيوفاً ؛ قال : فعبد القيس ؟ قال : أسبقها إلى الغايات وأضربها تحت الرايات ؛ قال : فبنو أسد ؟ قال : أهل عدد وجلد ونكد ؛ قال : فلخم ؟ قال : ملوك وفيهم نوك ؛ قال : فجذام ؟ قال : يوقدون الحرب ويسعرونها ويلقحونها ثم يمرونها ؛ قال : فبنو الحارث ؟ قال : رعاة للقديم حماة للحريم ؛ قال : فعك ؟ قال : ليوث جاهدة في قلوب فاسدة ؛ قال : فتغلب ؟ قال : يصدقون إذا لقوا ضرباً ويسعرون للأعداء حرباً ؛ قال : فغسان ؟ قال : أكرم العرب أحساباً وأثبتهم أنساباً ؛ قال : فأي العرب كانت في الجاهلية أمنه من أن تضام ؟ قال : قريش وكانوا أهل ربوة لا يستطاع ارتقاؤها وهضبة لا يرام انتزاؤها في بلدة حمى الله ذمارها ومنع جارها ؛ قال : فأخبرني عن مآثر العرب قال : كانت العرب تقول : حمير أرباب الملك وكندة لباب الملل ومذحج أهل الطعان وهمدان أحلاس الخيل والأزد آساد الناس ؛ قال : فأخبرني عن الأرضين ؛ قال : سلني قال : الهند ؟ قال : بحرها در وجبلها ياقوت وشجرها عود وورقها عطر وأهلها طغام كقطيع الحمام ؛ قال : فخراسان ؟ قال : ماؤها جامد وعدوها جاحد ؛ قال : فعمان ؟ قال : حرها شديد وصيدها عتيد قال : فالبحرين ؟ قال : كناسة بين المصرين ؛ قال : فاليمن ؟ قال : أهل العرب وأهل البيوتات والحسب ؛ قال : فمكة ؟ قال : رجالها علماء جفاة ونساؤها كساة عراة ؛ قال : فالمدينة ؟ قال : رسخ العلم فيها وظهر منها ؛ قال : فالبصرة ؟ قال : شتاؤها جليد وحرها شديد وماؤها ملح وحربها صلح ؛ قال : فالكوفة ؟ قال : ارتفعت عن حر البحر وسفلت عن برد الشام فطاب ليلها وكثر خيرها ؛ فواسط ؟ قال : جنة بين حماة وكنة ؛ قال : وما حماتها ؟ وكنتها ؟ قال : البصرة والكوفة يحسدانها . وما ضرها ودجلة والزاب يتجاريان في إفاضة الخير عليها ؟ قال : فالشام ؟ قال : عروس بين نسوة جلوس ؛ قال : ثكلتك أمك يا ابن القرية لولا اتباعك لأهل العراق وقد كنت أنهاك عنهم أن تتبعهم فتأخذ من نفاقهم . ثم دعا بالسياف وأومأ إلى السياف أن أمسك . فقال ابن القرية ثلاث كلمات أصلح الله الأمير كأنهن ركب وقوف يكن مثلاً بعدي قال : هات . قال : لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة ولكل حليم هفوة . قال الحجاج : ليس هذا وقت المزاح يا غلام أوجب