فقال له : اجلس يا أبا القاسم ! .
وقال الصاحب : ما قطعني إلا شاب ورد علينا إلى أصبهان بغدادي فقصدني فأذنت له وكان عليه مرقعة وفي رجليه نعل طاق فنظرت إلى حاجبي فقال له وهو يصعد إلي : اخلع نعلك ! .
فقال : ولم ؟ لعلي أحتاج إليها بعد ساعة ! .
فغلبني الضحك وقلت : أتراه يريد أن يصفعني ؟ وقال محمد بن المرزبان : كنا بين يديه ليلةً فنعس وأخذ إنسان يقرأ سورة الصافات فاتفق أن بعض هؤلاء الأجلاف من أهل ما وراء النهر نعس أيضاً وضرط ضرطةً منكرةً فانتبه وقال : يا أصحابنا نمنا على " والصافات " وانتبهنا على " والمرسلات " . وقال أيضاً : انفلتت ليلةً ضرطةٌ من بعض الحاضرين وهو في الجدل فقال على حدته : كانت بيعة أبي بكر خذوا فيما أنتم فيه ! .
يعني أنه قيل في بيعة أبي بكر Bه : إنما كانت فلتة . وقال قوم من إصبهان للصاحب ؟ : لو كان القرآن مخلوقاً لجاز أن يموت ولو مات القرآن في آخر شعبان بماذا كنا نصلي التراويح في رمضان ؟ فقال الصاحب : لو مات القرآن لكان يموت رمضان ويقول : لا حياة لي بعدك ولا نصلي التراويح ونستريح ! .
ويقال : إن ابن أبي الحظيري أتى إليه يوماً فقام له فمر مسرعاً لأجله فضرط فقال : يا مولانا الصاحب هذا صرير التخت . فقال : بل صفير التحت ! .
فذهب وقد استحيى وانقطع فكتب إليه من البسيط : .
قٌل للحظيريّ لا تذهبْ على خَجَلٍ ... من ضرطةٍ أشبهتْ ناياً على عودِ .
فإنّها الريحُ لا تَسطيعُ تُمْسِكها ... إذ لستَ أنتَ سليمانَ بن داودِ .
وكان الصاحب قد ولى عبد الجبار الأسداباذي قضاء القضاة بهمذان والجبال فاستقبله يوماً ولم يترجل له . وقال : أيها الصاحب أريد أن أترجل للخدمة ولكن العلم يأبى ذلك . وكان يكتب في عنوان كتابه : إلى الصاحب داعيه عبد الجبار بن أحمد ثم كتب : وليه عبد الجبار بن أحمد ثم كتب عبد الجبار بن أحمد . فقال الصاحب لندمائه : أطنه يؤول أمره إلى أن يكتب الجبار وقال ابن بابك : سمعت الصاحب يقول : مدحت والعلم عند الله بمائة ألف قصيدة شعراً عربيةٍ وفارسية وقد أنفقت أموالي على الشعراء والأدباء والزوار والقصاد ما سررت بشعر ولا سرني شاعر كما سرني أبو سعيد الرستمي الأصبهاني بقوله : .
ورث الوزارة كابراً عن كابرٍ . البيتين .
كتب عامل إليه رقعة : إن رأى مولانا أن يأمر بإشغالي ببعض أشغاله فعل . فوقع الصاحب تحتها : من كتب إشغالي لا يصلح لأشغالي ووقع إلى أبي الحسن الشقيقي البلخي : من نظر لدينه نظرنا لدنياه فإن آثرت العدل والتوحيد بسطنا لك الفضل والتمهيد وإن أقمت على الجبر فما لكسرك جبر . ولما كان ببغداد قصد القاضي أبا السائب عتبة بن عبيد لقضاء حقه فتثاقل في القيام له وتحفز تحفزاً أراه به ضعفاً عن حركته وقصور نهضته فأخذ الصاحب بضبعه وأقامه وقال : نعين القاضي على قضاء حقوق إخوانه ! .
فخجل القاضي أبو السائب واعتذر إليه . ووجد يوماً بعض ندمائه متغير السحنة فقال : ما الذي بك ؟ قال : حَما . فقال له الصاحب : قَه . فقال له النديم : وه . فاستحسن ذلك منه وخلع عليه . قلت : إنما قال له الصاحب قه لأنه لا يقال إلا حميا فأضاف إليها القاف والهاء لتصير حماقه فلطف النديم وظرف في زيادة الواو والهاء ليصير ذلك قهوة . ضرب الصاحب معلمه يوماً فأنشد يقول من البسيط : .
أودعتني العلمَ فلا تجهلِ ... كم مِقْولٍ يجني على المقتلِ .
أنت وإن علَّمتَني سوقةٌ ... والسيف لا يُبقي على الصّيقْلِ