أسعد بن إلياس بن جرجس بن المطران موفق الدين طبيب السلطان صلاح الدين وأولاده وشيخ الأطباء بالشام وفقه الله للإسلام وكان عارفاً بالعربية كثير الاشتغال له التصانيف وكان مليح الصورة نبيلاً يركب في مماليك تركٍ حتى كأنه وزير اشتغل على المهذب النقاش وعمل أنابيب بركة داره ذهباً وزوجه السلطان أحد ! .
خطاياه وهي حوزة وخلف من الكتب عشرة آلاف مجلدة . وأجل تلامذته المهذب عبد الرحيم بن علي الدخوار وكان غزير المروءة حسن الأخلاق كريم العشرة جواداً متعصباً للناس عند السلطان يقضي حوائجهم . صحبه صبي حسن الصورة اسمه عمر فأحسن إليه وكان الموفق يحب أهل البيت ويبغض ابن عنين لخبث لسانه ويحرض السلطان على نفيه وقال : أليس هو القائل من المنسرح : .
سلطانُنا أعرجٌ وكاتبهْ ... أعيمشٌ والوزير مُنحدب .
فقال ابن عنين من البسيط : .
قالوا : الموفّق شيعيٌّ . فقلت لهم : ... هذا خلاف الذي للناس منه ظهَرْ .
وكيف يجعل دينَ الرفض مذهبه ... وما دعاه إلى الإسلام غير عُمَرْ ؟ .
وتوفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة ودفن بقاسيون على قارعة الطريق عند دار زوجته حوزة ولما مات اشترت داراً وبنت إلى جانبها مسجداً وعمرت له تربة وهي تعرف بدار حوزة وكانت صالحةً زاهدةً عابدة .
قال ابن أبي أصبيعة : حدثني الحكيم عمران الإسرائيلي أنه حضر بيع كتب ابن المطران فوجدهم قد أخرجوا من الأجزاء الصغار ألوفاً كثيرةً أكثرها بخط ابن الجمالة وأن القاضي الفاضل بعث يستعرضها فبعثوا إليه بملء خزانةٍ صغيرة فرآها ثم ردها فبلغت في المناداة ثلاثة آلاف درهم واشترى الحكيم عمران أكثرها وقال لي : إنه حصل الاتفاق مع الورثة في بيعها أنهم أطلقوا بيع كل جزء بدرهم . انتهى . قلت : وقد اشتريت أنا من تركة جمال الدين إبراهيم بن شرف الدين العطار الطبيب C تعالى لما توفي ولده كتاب الحاوي الكبير في الطب في ستة عشر مجلداً بخط هذا موفق الدين ابن المطران وهي أجزاء صغار مستطيلة وقد عدم منها البعض فكمله جمال الدين C تعالى بخطه المليح . وكتب ابن المطران كتابةً جيدةً مليحةً إلى الغاية ومدحه البديع عبد الرزاق بن أحمد العامري وسيأتي ذكره في موضعه من حرف العين بقصيدة هائية أولها من الكامل : .
يُنهي إليك وليس عنك بمنتهي ... قلبٌ على صاب الصبابة مُكْرِهي .
شوقاً أدلَّ على الفؤاد فلم يُفد ... بمُدَلَّهٍ إلاّ غرامَ مُدلِّه .
تدنو فيغدو فيك حلف تفكّرٍ ... ولَكَم بعدتَ فبات إلفَ تفكُّه .
يهوى الذي تهوى ويعشقُ قلبهُ ... ما تشتهي فيُصَدٌّ عمّا تشتهي .
تجني ويعلم ما جنيتَ فيجتني ... عُذراً يوجهِّهُ بوجه أبله .
لعجبتُ من مُغض على نار الغضا ... ما زال مستنداً إلى صبرٍ بَهي .
فطنٌ دهاه في حُشاشته الهوى ... غرراً ولن يُدهى سوى الفطِن الدَّهي .
ولقد نَهاهُ نُهاه عنك فلم يزل ... يزداد غيّاً في هواك إذا نُهي .
لو ساعد التوفيق لم يك لائذاُ ... بسوى الموفّق ذي المحلّ الأنبهِ .
من لا يرى الإحسان في الأقوال ما ... لم يتلُها بفعالِ غير مموَّه .
رؤياه للأدواء حاسمةٌ فكم ... مُشفٍ شفاه بذلك الوجه البَهي .
ضاهى ابنَ مريمَ حكمةً وسعادة ... فعنا الأعزّ له عنوّ مُوَلّه .
نصر العُفاة على الزمان ندى أبي ... نصر أخي الجاه الوجيه الأوجه .
الألمعيّ الأريحيّ المُرْتَجى ... اللوذعي الفيلسوف المدرَه .
وإذا الخلائق أشبْهتْ أمثالها ... في الأكرمين فما له من مُشبه .
وإذا الخواطرُ أصبحت مشدُوهةً ... فضل الأنامَ بخاطر لم يُشْده .
فلكٌ من الإحسان حين وصلتُه ... أغنى بأعلى أوْجُهٍ عن أوجه