فلقد جلّ خطب دهرٍ أتانا ... بمقادير أتلفت ببغّاكا .
عجباً للمنون كيف أتاها ... وتخطّت عبد الحميد أخاكا .
كان عبد الحميد أصلح للمو ... ت من الببّغا وأولى بذاكا .
شملتنا المصيبتان جميعاً ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا .
انتهى كلام الصولي .
قلت : ومثل هذا ما كتبه ابن المعتز إلى عبد الله بن سليمان يعزيّه عن ابنه أبي محمد ويسليه ببقاء أبي الحسين أبياتاً منها : .
ولقد غبنت الدهر إذ شاطرته ... بأبي الحسين وقد ربحت عليه .
وأبو محمدٍ الجليل مصابه ... لكن يمين المرء خير يديه .
وقال الصولي : أول ما ارتفع به أحمد بن يوسف أن طاهراً أمر الكتّاب لما قتل المخلوع أن يكتبوا إلى المأمون فأطالوا فقال طاهر : أريد أخصر من هذا . فوصف له أحمد بن يوسف فأحضره لذلك . فكتب : أمّا بعد فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة فقد فرّق حكم الكتاب بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصمة الدين وخروجه عن إجماع المسلمين . قال الله عزَّ وجل لنوح عليه السلام في ابنه : " يا نوح إنه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح " . ولا صلة لأحد في معصية الله ولا قطيعة ما كانت في ذات الله . وكتبت إلى أمير المؤمنين وقد قتل الله المخلوع وأحصد لأمير المؤمنين أمره وأنجز له وعده فالأرض بأكنافها أوطأ مهادٍ لطاعته وأتبع شيء لمشيئته . وقد وجهت إلى أمير المؤمنين بالدنيا وهو رأس المخلوع وبالآخرة وهي البردة والقضيب . فالحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين بحقه والكائد له من خان عهده ونكث عقده حتى ردَّ الألفة وأقام به الشريعة والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . فرضي طاهر بذلك ونفذه ووصل أحمد بن يوسف وقدّمه . وأهدى أحمد بن يوسف هديةً إلى المأمون في يوم نيروز وكتب معها : .
على العبد حقٌّ فهو لا شكّ فاعله ... وإن عظم المولى وجلّت فضائله .
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنىً فهو قابله .
ولو كان يهدى للكريم بقدره ... لقصّر فضل المال عنه وسائله .
ولكنّنا نهدي إلى من نعزّه ... وإن لم يكن في وسعنا ما يعاد له .
وقال موسى بن عبد الملك : وهب لي أحمد بن يوسف ألف ألف درهم في مرات . وكان يرمى بأنّه يعبث بموسى بن عبد الملك يتعشقه وعاتبه فيه محمد ابن الجهم البرمكي فكتب إليه أحمد بن يوسف : .
لا تعذلنَّي يا أبا جعفر ... لوم الأخلاء من اللوُّم .
إن استه مشربة حمرةً ... كأنّها وجنة ملكوم .
فتقدم محمد إلى البجلي وكان في ناحيته فأجابه : .
لست بلاحيك على حبِّه ... ولست في ذاك بمذموم .
لأنّه في استه سخنة ... كأنّها سخنة محموم .
حكى علي بن يحيى ابن أبي منصور أن المأمون كان إذا تبخرَّ طرح العود والعنبر فإذا تبخر أمر بإخراج المجمرة ووضعها تحت الرّجل من جلسائه إكراماً له ؛ فحضر أحمد بن يوسف يوماً وتبخر المأمون على عادته ثم أمر أن يوضع المجمر تحت بن يوسف فقال : هاتوا إذاً المردود . فقال : ألنا يقال هذا ونحن نصل رجلاً واحداً بستة آلاف ألف دينار ؟ إنّما قصدنا إكرامك وأن أكون أ ا وأنت قد اقتسمنا بخوراً واحداً ؛ يحضر عنبر فأحضر منه شيء في غاية الجودة في كل قطعة في المجمر يبخّر بها أحمد ويدخل رأسه في زيقه حتى ينفد بخورها . وفعل به ذلك وبقطعة ثانية وثالثة وهو يصيح ويستغيث وانصرف إلى منزله وقد احترق دماغه واعتلَّ ومات . وكانت له جارية يقال لها نسيم كان لها من قلبه مكان خطير فقالت ترثيه : .
ولو أنّ ميتاً هابه الموت قبله ... لما جاءه المقدار وهو هيوب .
ولو أنّ حيّاً قبله صانه الردى ... إذا لم يكن للأرض فيه نصيب .
وقالت ترثيه أيضاً : .
نفسي فداؤك لو بالناس كلّهم ... ما بي عليك تمنّوا أنهم ماتوا .
وللورى موتة في الدهر واحدة ... فألسننا حرب وأبصارنا سلم .
وتحت استراق اللحظ منا مودّةٌ ... تطلّع سرّاً حيث لا يبلغ الوهم .
ومن شعر أحمد بن يوسف قوله : .
كم ليلةٍ فيك لا صباح لها ... أحييتها قابضاً على كبدي