أحمد بن محمد أبو الريحان البيروني - بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء وبعد الواو الساكنة نون - الخوارزمي قال ياقوت بيرون معناه بالفارسية برّا وسألت بعض الفضلاء عن ذلك فزعم أن مقامه بخوارزم كان قليلاً وأهل خوارزم يسمون الغريب بهذا الاسم كأنه لما طالت غربته صار غريباً . وما أظنّه أنه يراد به إلا أنّه يراد به أنه من أهل الرستاق يعني أنه من برّا البلد . وقال غيره : بيرون من بلاد الهند انتهى .
وتوفي أبو الريحان في عشر الثلاثين والأربعمائة وعاصر ابن سيناء وبينهما أسولة وجوابات ؛ ولّما صنف كتاب القانون المسعودي أجازه السلطان بحمل فيلٍ من نقده الفضّي فردّه إلى الخزانة بعذر الاستغناء عنه . وكان مكباً على تحصيل العلوم ولا يكاد يفارق القلم يده ولا عينه النظر في الكتب وقلبه الفكر إلا في يومي النوروز والمهرجان . حدث القاضي كثير بن يعقوب النحوي البغداذي عن الفقيه أبي الحسن علي بن عيسى الولوالجي قال : دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه وقد حشرج نفسه وضاق به صدره فقال لي في تلك الحال : كيف قلت لي يوماً في حساب الجدّات الفاسدة ؟ فقلت له إشفاقاً عليه : أفي هذه الحالة ؟ قال : ياهذا أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ألا يكون خيراً من أن أخلّيها وأنا جاهل بها ؟ فأعدت ذلك عليه وحفظ وعلّمني ما وعد وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ عليه . وبلغ من حظوته عند الملوك أن شمس المعالي قابوساً أراد أن يستخلصه لنفسه على أن تكون له الإمرة المطاعة في جميع ما يحويه ملكه ويشتمل عليه ملكه فأبى ولم يطاوعه ؛ ولما سمح للملوك الخوارزمشاهيّة بذلك أنزله في داره معه ودخّل خوارزمشاه يوماً وهو يشرب على ظهر الدابة فأمر باستدعائه من الحجرة فأبطأ قليلاً فتصّور الأمر على غير صورته وثنى العنان نحوه ورام النزول فسبقه أبو الريحان إلى البروز وناشده الله أن لا يفعل فتمثّل خوارزمشاه : .
العلم من أشرف الولايات ... يأتيه كلّ الورى ولا ياتي .
ثم قال : لولا الرسوم الدنيوية لما استدعيتك فالعلم يعلو ولا يعلى . وكان لما توجّه السلطان محمود إلى غزنة واستولى على خوارزم قبض عليه عبد الصمد الحكيم واتهمه بالقرمطة والكفر وأذاقه الحمام وهم أن يلحق به أبا الريحان فقيل له : إن هذا إمام وقته في علم النجوم والملوك لا يستغنون عن مثله . فأخذه معه ودخل به بلاد الهند وأقام بينهم وتعلم لغتهم واقتبس علومهم وأقام بغزنة حتى مات بها عن سنٍ عالية . وكان حسن المحاضرة طيّب العشرة خليعاً في ألفاظه عفيفاً في أفعاله لم يأت الزمان بمثله علماً وفهماً . ومن تصانيفه كتاب الجماهر في الجواهر . والصيدلة في الطب . ومقاليد الهيئة وتسطيح الهيئة مقالة في استعمال آلة الاسطرلاب الكبرى الزيج المسعودي صنّفه للملك مسعود بن سبكتكين والآثار الباقية عن الأمم الخالية . والتفهيم في صناعة التنجيم . وتلافي عوارض الزّلّة في دلائل القبلة . وأورد له ياقوت في معجم الأدباء قوله لشاعر اجتداه : .
يا شاعراً جاءني يخرى على الأدب ... وافى ليمدحني والذمّ من أربي .
وجدته ضارطاً في لحيتي سفهاً ... كلاّ فلحيته عثنونها ذنبي .
وذاكراً في قوافي شعره حسبي ... ولست والله حقاً عارفاً نسبي .
إذ لست أعرف جدي حقّ معرفةٍ ... وكيف أعرف جدي إذ جهلت أبي .
أبي أبو لهب شيخ بلا أدبٍ ... نعم ووالدتي حمّالة الحطب .
المدح والذم عندي يا أبا حسنٍ ... سيّان مثل استواء الجدَّ واللعب .
فأعفني عنهما لا تشتغل بهما ... بالله لا توقعن مفساك في تعب .
وأورد له أيضاً : .
ومن حام حول المجد غير مجاهدٍ ... ثوى طاعماً للمكرمات وكاسيا .
وبات قرير العين في ظلّ راحةٍ ... ولكنّه عن حلّة المجد عاريا .
قلت : يريد قول الحطيئة يهجو : .
دع المكرم لا ترحل لبغيتها ... وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي .
وأورد له أيضاً : .
فلا يغررك مني لين مسّي ... تراه في دروسي واقتباسي .
فإني أسرع الثقلين طراً ... إلى خوض الرّدى في وقت باس .
وأورد له أيضاً :