أحببت ظبياً سمين ... كأنه غصن تين .
بالله أي عالمين ... ما في السما مسلمين .
قلت : ولا في الأرض لأنهم اتخذوك خليفةً وأظن هذا منحولاً وقيل : إنه كان يأمر المغنين أن يغنوا له بهذا الشعر وأشباهه فيتضاحكون منه ويتغامزون عليه . وصنع يوماً هذين البيتين وهما : .
شربت كأساً أذهبت ... عن ناظريَّ الخمرا .
فنشّطتني ولقد ... كنت حزيناً خاثرا .
ثم إنّه قال لهم بالله أجيزوهما فقال أحدهم : .
هذا خرا هذا خرَا ... هذا خرَا هذا خرَا .
وكان للطف أخلاقه يحتمل ذلك منهم ؛ وكان يقول لهم ويومىء بيده إلى الباب : أي شيىء تصحيف باب ؟ فيقولون لا ندري فيقول لم لا تقولون باب ؟ فيقولون : بسم الله عليك . ويقول : أي شيء تصحيف مخدَّة ؟ ويضع يده خلف ظهره على المخدة فيقولون : لا نعلم . فيقول لم لا تقولون : مخدة فيقولون : بسم الله عليك .
وكان السبب في توليه أن الأتراك لّما قتلوا المنتصر خافوا من تولية الخلافة لأحد أولاد المتوكل فيأخذ بثأر أبيه وأخيه فولّوا المستعين وكان خاملاً يرتزق بالنسخ وليس بابن خليفة ولم يلٍ الخلافة من لا هو ابن خليفة من المنصور إليه إلاّ هو . ولما جاءه الأمر بغتةً تطلّعٍ إليه قال : .
جاء لطف الله بالأم ... رِ الذي لا أرتجيه .
فعلّي اليوم أن أق ... ضي حقّ الله فيه .
وأعداؤه رووه أنه قال : حق الشرب فيه . ولّما وردت خلافة المستعين إلى مصر أحضر الوالي بها المنجمين وقال : انظروا في طالعه ومدة عمره . فنظروا في طالع الوقت فقال لهم الجمل الشاعر : لا تتعبوا أنا أعلم بعمره وأيامه . قالوا : كم يعيش ؟ قال : ما شاء بغا وأوتامش ووصيف ؛ فارتج المجلس بالضحك .
أبو الفتح النزلي النحوي .
أحمد بن محمد بن هارون النَّزلي أبو الفتح النحوي ؛ أخذ عن أبي الحسن علي بن عيسى الرَّبعي وهو من أقران أبي يعلى السراج .
النامي .
أحمد بن محمد بن هارون الدارمي المصّيصي المعروف بالنامي الشاعر المشهور ؛ كان من المفلقين من شعراء عصره وخواصّ مدّاح سيف الدولة . وكان عنده تلو أبي الطيب في المنزلة والرتبة وكان فاضلاً أديباً بارعاً عارفاً باللغة والأدب وله أمالي أملاها بحلب . روى عن علي بن سليمان الأخفش وابن درستويه وأبي عبد الله الكرماني وأبي بكر الصولي وإبراهيم بن عبد الرحمن العروضي وروى عنه أبو القاسم الحسين بن علي بن أسامة الحلبي وأخوه أبو الحسين أحمد وأبو الفرج الببغّاء وأبو الخطاب ابن عون الحريري والقاضي أبو طاهر صالح بن جعفر الهاشمي . واختلف في وفاته فقيل سنة سبعين وثلاثمائة أو إحدى وسبعين وقيل سنة سبع وسبعين وعمره تسعون سنة . ومن شعره قوله : .
أحقّاً أنّ قاتلتي زرود ... وأنّ عهودها تلك العهود .
وقفت وقد فقدت الصبر حتى ... تبيّن موقفي أنّي الفقيد .
وشكّت فيّ عذالي فقالوا ... لرسم الدار : أيّكما العميد .
ومنه : .
أمير العلى إن العوالي كواسب ... علاءك في الدنيا وفي جنة الخلد .
يمرُّ عليك الحول : سيفك في الطلى ... وطرفك ما بين الشكيمة واللّبد .
ويمضي عليك الدهر : فعلك للعلى ... وقولك للتقوى وكفّك للرفد .
قال ابن عون الحريري النحوي : دخلت على أبي العباس النامي فوجدته جالساً وكأن رأسه الثغامة البيضاء وفيه شعرة واحدة سوداء فقلت له : يا سيدي في رأسك شعرة سوداء فقال : نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرج بها ولي فيها أشعار فقلت : أنشدنيها فأنشدي : .
رأيت في الرأس شعرةً بقيت ... سوداء تهوى العيون رؤيتها .
فقلت للبيض إذ تروّعها ... بالله إلاّ رحمت غربتها .
فقلَّ لبث السوداء في وطنٍ ... تكون فيه البيضاء ضرّتها .
ثم قال : يا أبا الخطاب بيضاء واحدة تروّع ألف سوداء فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء .
وله مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد . ومن شعره : .
أتاني في قميص اللاّذ يسعى ... عدوٌّ لي يلقّب بالحبيب .
وقد عبث الشراب بمقلتيه ... فصيّر خدّه كَسَنا اللهيبِ .
فقلت له بما استحسنت هذا ... لقد أقبلت في زي عجيب