قلبٌ لها لم يرعنا وهو مكتمنٌ ... إلا ترقيه ناراً في تراقيها .
سفيهةٌ لم يزل طول اللسان لها ... في الحي يجني عليها صرف هاديها .
غريقةٌ في دموعٍ وهي تحرقها ... أنفاسها بدوامٍ من تلظيها .
تنفست نفس المهجورة ادكرت ... عهد الخليط فبات الوجد يبكيها .
يخشى عليها الردى مهما ألم بها ... نسيم ريحٍ إذا وافى يحييها .
بدت كنجمٍ هوى في إثر عفريةٍ ... في الأرض فاشتعلت منه نواصيها .
كأنها غرةٌ قد سال شادخها ... في وجه دهماء يزهاها تجليها .
أو ضرةٌ خلقت للشمس حاسدةٌ ... فكلما حجبت قامت تحاكيها .
وحيدةٌ بشباة الرمح هازمةٌ ... عساكر الليل إن حلت بواديها .
ما طنبت قط في أرض مخيمةً ... إلا وأقمر للأبصار داجيها .
لها غرائب تبدو من محاسنها ... إذا تفكرت يوماً في معانيها .
فالوجنة الورد إلا في تناولها ... والقامة الغصن إلا في تثنيها .
قد أثمرت وردةً حمراء طالعةً ... تجني على الأكف إن أهويت تجنيها .
وردٌ تشابك به الأيدي إذا قطفت ... وما على غصنها شوكٌ يوقيها .
صفرٌ غلائلها حمرٌ عمائمها ... سودٌ ذوائبها بيضٌ لياليها .
كصعدةٍ في حشا الظلماء طاعنةٍ ... تسقي أسافلها ريا أعاليها .
كلوءة الليل مهما أقبلت ظلمٌ ... أمست لها ظلمٌ للصحب تذكيها .
وصيفةٌ لست منها قاضياً وطراً ... إن أنت لم تكسها تاجاً يحلّيها .
صفراء هنديّةٌ في اللون إن نعتت ... والقدّ واللين إن أتمت تشبيها .
فالهند تقتل بالنيران أنفسها ... وعندها أنّ ذاك القتل يحييها .
ما إن تزال تبيت الليل لاهيةً ... وما بها علةٌ في الصدر تظميها .
تحيي الليالي نوراً وهي تقتلها ... بئس الجزاء لعمر الله تجزيها .
ورهاء لم يبد للأبصار لابسها ... يوماً ولم يحجتب عنهن غاديها .
قدٌّ كقدّ قميص قد تبطّنها ... ولم يقدر عليها الثوب كاسيها .
غرّاء فرعاء لا تنفكّ فاليةً ... تقص لمتها طوراً وتفليها .
شيباء شعثاء لا تكسى غدائرها ... لون الشبيبة إلا حين تبليها .
قناة ظلماء ما ينفك يأكلها ... سنانها طول طعنٍ أو يشظّيها .
مفتوحة العين تفني ليلها سهراً ... نعم وإفناؤها إياه يفنيها .
وربما نال من أطرافها مرضٌ ... لم يشف منه بغير القطع مشفيها .
ويلمها في ظلام الليل مسعدةً ... إذا الهموم دعت قلبي دواعيها .
لولا اختلاف طباعينا بواحدةٍ ... وللطباع اختلافٌ في مبانيها .
بأنها في سواد الليل مظهرةٌ ... تلك التي في سواد القلب أخفيها .
وبيننا عبراتٌ إن هم نظروا ... غيّضتها خوف واشٍ وهي تجريها .
وما بها موهناً لو أنها شكرت ... ما بي من الحرق اللاتي أقاسيها .
ما عاندتها في الليالي في مطالبها ... ولا عدتها العوادي في مباغيها .
ولا رمتها ببعدٍ من أحبتها ... كما رمتني وقربٍ من أعاديها .
ولا تكابد حساداً أكابدها ... ولا تداجي بني دهرٍ أداجيها .
ولا تشكى المطايا طول رحلتها ... ولا لأرجلها طردٌ بأيديها .
إلى مقاصد لم تبلغ أدانيها ... مع كثرة السعي فضلاً عن أقاصيها .
فليهنها أنها باتت ولا هممي ... ولا همومي تعنيها وتعنيها .
أبدت إليّ ابتساماً في خلال بكاً ... وعبرتي أنا محض الحزن يمريها .
فقلت في جنح ليلٍ وهي واقفة ... ونحن في حضرةٍ جلّت أياديها .
لو أنها علمت في قرب من نصبت ... من الوى لثنت أعطافها تيها