فأي الناس فاتوا بوتر ... وأي الناس لم نعلك لجاما ... ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما ... .
وكان قصي في قومه سيدا رئيسا مطاعا معظما والمقصود أنه جمع قريشا من متفرقات مواضعهم من جزيرة العرب واستعان بمن أطاعه من أحياء العرب على حرب خزاعة واجلائهم عن البيت وتسليمه إلى قصي فكان بينهم قتال كثيرة ودماء غزيرة ثم تداعوا إلى التحكيم فتحاكموا إلى يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فحكم بأن قصيا أولى بالبيت من خزاعة وإن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع بشدخه تحت قدميه وأن ما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة وأن يخلى بين قصي وبين مكة والكعبة فسمي يعمر يومئذ الشداخ .
قال ابن اسحاق فولي قصي البيت وأمر مكة وجمع قومه من منازلهم إلى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه إلا أنه أقر العرب على ما كانوا عليه لأنه يرى ذلك دينا في نفسه لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه حتى جاء الإسلام فهدم الله به ذلك كله قال فكان قصي أول بني كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله وقطع مكة رباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة .
قلت فرجع الحق إلى نصابه ورد شارد العدل بعد إيابه واستقرت بقريش الدار وقضت من خزاعة المراد والأوطار وتسلمت بيتهم العتيق القديم لكن بما أحدثت خزاعة من عبادة الأوثان ونصبها إياها حول الكعبة ونحرهم لها وتضرعهم عندها واستنصارهم بها وطلبهم الرزق منها وأنزل قصي قبائل قريش أباطح مكة وأنزل طائفة منهم ظواهرها فكان يقال قريش البطاح وقريش الظواهر فكانت لقصي بن كلاب جميع الرئاسة من حجابة البيت وسدانته واللواء وبنى دارا لإزاحة الظلمات وفصل الخصومات سماها دار الندوة إذا أعضلت قضية اجتمع الرؤساء من كل قبيلة فاشتوروا فيها وفصلوها ولا يعقد عقد لواء ولا عقد نكاح إلا بها ولا تبلغ جارية أن تدرع فتدرع إلا بها وكان باب هذه الدار إلى المسجد الحرام ثم صارت هذه الدار فيما بعد إلى حكيم بن حزام بعد بني عبد الدار فباعها في زمن معاوية بمائة ألف درهم فلامه على بيعها معاوية وقال بعت شرف قومك بمائة ألف فقال إنما الشرف اليوم بالتقوى والله لقد ابتعتها في الجاهلية بزق خمر وها أنا قد بعتها بمائة ألف وأشهدكم أن ثمنها صدقة في سبيل الله فأينا المغبون ذكره الدارقطني في أسماء رجال الموطأ وكانت إليه سقاية الحجيج فلا يشربون إلا من ماء حياضه وكانت زمزم إذ ذاك مطموسة من زمن جرهم قد تناسوا أمرها من تقادم عهدها ولا يهتدون إلى موضعها قال الواقدي وكان قصي أول من أحدث وقيد النار بالمزدلفة ليهتدي إليها من يأتي من عرفات والرفادة وهي إطعام الحجيج أيام الموسم الى أن يخرجوا راجعين إلى بلادهم