الجماعة كما كان ابوه وجده ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ ومحبة للمال وجمعه ومن جملة ذلك أنه استحل الوديعة التي استودعه إياها الناصر داود بن المعظم وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار فاستقبح هذا من مثل الخليفة وهو مستقبح ممن هو دونه بكثير بل من اهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك كما قال الله تعالى ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما قتلته التتار مظلوما مضطهدا في يوم الاربعاء رابع عشر صفر من هذه السنة وله من العمر ستة وأربعون سنة وأربعة أشهر وكانت مدةخلافته خمسة عشر سنة وثمانية أشهر وأياما فC وأكرم مثواه وبل بالرأفة ثراه وقد قتل بعده ولداه وأسر الثالث مع بنات ثلاث من صلبه وشغر منصب الخلافة بعده ولم يبق في بني العباس من سد مسده فكان آخر الخلفاء من بني العباس الحاكمين بالعدل بين الناس ومن يرتجي منهم النوال ويخشى البأس وختموا بعبد الله المستعصم كما فتحوا بعبد الله السفاح بويع له بالخلافة وظهر ملكه وأمره في سنة ثنتين وثلاثين ومائة بعد انقضاء دولة بني امية كما تقدم بيانه وآخرهم عبد الله المستعصم وقد زال ملكه وانقضت خلافته في هذا العام فجملة أياهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة وزال ملكهم عن العراق والحكم بالكلية مدة سنة وشهور في أيام البساسيري بعد الخمسين وأربعمائة ثم عادت كما كانت وقد بسطنا ذلك في موضعه في أيام القائم بأمر الله ولله الحمد .
ولم تكن أيدي بني العباس حاكمة على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرة لجميع البلاد والاقطار والامصار فإنه خرج عن بني العباس بلاد المغرب ملكها في أوائل الأمر بعض بني أمية ممن بقي منهم من ذرية عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ثم تغلب عليه الملوك بعد دهور متطاولة كما ذكرنا وقارن بني العباس دولة المدعين أنهم من الفاطميين ببلاد مصر وبعض بلاد المغرب وما هنالك وبلاد الشام في بعض الاحيان والحرمين في أزمان طويلة وكذلك أخذت من أيدهم بلاد خراسان وما وراء النهر وتداولتها الملوك دولا بعد دول حتى لم يبق مع الخليفة منهم إلى بغداد وبعض بلاد العراق وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الاموال في أكثر الاوقات كما ذكر ذلك مبسوطا في الحوادث والوفيات .
واستمرت دولة الفاطميين قريبا من ثلاثمائة سنة حتى كان آخرهم العاضد الذي مات بعد الستين وخمسمائة في الدولة الصلاحية الناصرية القدسية وكانت عدة ملوك الفاطميين أربعة عشر ملكا متخلفا ومدة ملكهم تحريرا من سنة سبع وتسعين ومائتين إلى ان توفي العاضد سنة بضع وستين وخمسمائة والعجب أن خلافة النبوة التالية لزمان رسول A كانت ثلاثين سنة كما نطق بها