بأنهم مغلوبون عنها ولا يمكنهم حبسها من قوة الريح وما زالوا كذلك حتى ولجوا الميناء فأفرغوا ما كان معهم من الميرة والحرب خدعة فعبرت الميناء فامتلأ الثغر بها خيرا فكفتهم إلى أن قدمت عليهم تلك البطش الثلاث المصرية وكانت البلد يكتنفها برجان يقال لأحدهما برج الديان فاتخذت الفرنج بطشة عظيمة لها خرطوم وفيه محركات إذا أرادوا أن يضعوه على شيء من الأسوار والأبرجة قلبوه فوصل إلى ما أرادوا فعظم أمر هذه البطشة على المسلمين ولم يزالوا في أمرها محتالين حتى أرسل الله عليها شواظا من نار فأحرقها وأغرقها وذلك أن الفرنج أعدوا فيها نفطا كثيرا وحطبا جزلا وأخرى خلفها فيها حطب محض فلما أراد المسلمون المحافظة على الميناء أرسلوا النفط على بطشة الحطب فاحترقت وهي سائرة بين بطش المسلمين واحترقت الأخرى وكان في بطشة أخرى لهم مقاتلة تحت قبو قد أحكموه فيها فلما أرسلوا النفط على برج الديان انعكس الأمر عليهم بقدرة الله تعالى وذلك لشدة الهواء تلك الليلة فما تعدت النار بطشتهم فاحترقت وتعدى الحريق إلى الأخرى فغرقت ووصل إلى بطشة المقاتلة فتلفت وهلك من فيها فاشبهوا من سلف من أهل الكتاب من الكافرين في قوله تعالى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فصل وفي ثالث رمضان اشتد حصار الفرنج للمدينة حتى نزلوا إلى الخندق فبرز إليهم أهل البلد فقتلوا منهم خلقا كثيرا وتمكنوا من حريق الكيس والأسوار وسرى حريقه إلى السقوف وارتفعت له لهبة عظيمة في عنان السماء ثم اجتذبه المسلمون إليهم بكلاليب من حديد في سلاسل فحصل عندهم وألقوا عليه الماء البارد فبرد بعد أيام فكان فيه من الحديد مائة قنطار بالدمشقي ولله الحمد والمنة وفي الثامن والعشرين من رمضان توفي الملك زين الدين صاحب أربل في حصار عكا مع السلطان فتأسف الناس عليه لشبابه وغربته وجودته وعزى أخاه مظفر الدين فيه وقام بالملك من بعده وسأل من صلاح الدين أن يضيف إليه شهرزور وحران والرها وسميساط وغيرها وتحمل مع ذلك خمسين ألف دينار نقدا فأجيب إلى ذلك وكتب له تقليدا وعقد له لواء وأضيف ما تركه إلى الملك المظفر تقي الدين ابن أخي السلطان صلاح الدين فصل وكان القاضي الفاضل بمصر يدير الممالك بها ويجهز إلى السلطان ما يحتاج إليه من الأموال