الذين ساقوا وراءهم أقل من ألف وإنما قتل من المسلمين عشرة أو دونهم وهذه نعمة عظيمة وقد أوهن هذا جيش الفرنج وأضعفهم وكادوا يطلبون الصلح وينصرفون عن البلد فاتفق قدوم مدد عظيم إليهم من البحر مع ملك يقال له كيد هرى ومعه أموال كثيرة فأنفق فيهم وغرم عليهم وأمرهم أن يبرزوا معه لقتال المسلمين ونصب على عكا منجنيقين غرم على كل واحد منهما ألفا وخمسمائة دينار فأحرقهما المسلمون من داخل البلد وجاءت كتب صاحب الروم من القسطنطنية يعتذر لصلاح الدين من جهة ملك الألمان وأنه لم يتجاوز بلده باختياره وأنه تجاوزه لكثرة جنوده ولكن ليبشر السلطان بأن الله سيهلكهم في كل مكان وكذلك وقع وأرسل إلى السلطان يخبره بأنه يقيم للمسلمين عنده جمعة وخطبا فأرسل السلطان مع رسله خطيبا ومنبرا وكان يوم دخولهم إليه يوما مشهودا ومشهدا محمودا فأقيمت الخطبة بالقسطنطنية ودعا للخليفة العباسي واجتمع فيها من هناك من المسلمين من التجار والمسلمين الأسرى والمسافرين إليها والحمد لله رب العالمين فصل وكتب متولي عكا من جهة السلطان صلاح الدين وهو الأمير بهاء الدين قراقوش في العشر الأول من شعبان إلى السلطان إنه لم يبق عندهم في المدينة من الأقوات إلا ما يبلغهم إلى ليلة النصف من شعبان فلما وصل الكتاب إلى السلطان أسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم خوفا من إشاعة ذلك فيبلغ العدو فيقدموا على المسلمين وتضعف القلوب وكان قد كتب إلى أمير الأسطول بالديار المصرية أن يقدم بالميرة إلى عكا فتأخر سيره ثم وصلت ثلاث بطش ليلة النصف فيها من الميرة ما يكفي أهل البلد طول الشتاء وهي صحبة الحاجب لؤلؤ فلما أشرفت على البلد نهض إليها اسطول الفرنج ليحول بينها وبين البلد ويتلف ما فيها فاقتتلوا في البحر قتالا شديدا والمسلمون في البر يبتهلون إلى الله D في سلامتها والفرنج أيضا تصرخ برا وبحرا وقد ارتفع الضجيج فنصر الله المسلمين وسلم مراكبهم وطابت الريح للبطش فسارت فأحرقت المراكب الفرنجية المحيطة بالميناء ودخلت البلد سالمة ففرح بها أهل البلد والجيش فرحا شديدا وكان السلطان قد جهز قبل هذه البطش الثلاث بطشة كبيرة من بيروت فيها أربعمائة غرارة وفيها من الجبن والشحم والقديد والنشاب والنفط شيء كثير وكانت هذه البطشة من بطش الفرنج المغنومة وأمر من فيها من التجار أن يلبسوا زي الفرنج حتى أنهم حلقوا لحاهم وشدوا الزنانير واستصحبوا في البطشة معهم شيئا من الخنازير وقدموا بها على مراكب الفرنج فاعتقدوا أنهم منهم وهي سائرة كأنها السهم إذا خرج من كبد القوس فحذرهم الفرنج غائلة الميناء من ناحية البلد فاعتذروا