ولما أحضر بين يدي المعتصم أمر بقطع يديه ورجليه وجز رأسه وشق بطنه ثم أمر بحمل رأسه إلى خراسان وصلب جثته على خشبة بسامرا وكان بابك قد شرب الخمر ليلة قتله وهي ليلة الخميس لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة وكان هذا الملعون قد قتل من المسلمين في مدة ظهوره وهي عشرون سنة مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان قاله ابن جرير وأسر خلقا لا يحصون وكان جملة من استنقذه الأفشين من أسره نحوا من سبعة آلاف وستمائة إنسان وأسر من أولاده سبعة عشر رجلا ومن حلائله وحلائل أولاده ثلاثة وعشرون امرأة من الخواتين وقد كان أصل بابك من جارية زرية الشكل جدا فآل به الحال إلى ما آل به إليه ثم أراح الله المسلمين من شره بعدما افتتن به خلق كثير وجم غفير من العوام الطغام .
ولما قتله المعتصم توج الأفشين وقلده وشاحين من جوهر وأطلق له عشرين ألف ألف درهم وكتب له بولاية السند وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه فيمدحوه على ما فعل من الخير إلى المسلمين وعلى تخريبه بلاد بابك التي يقال لها البذ وتركه إياها قيعانا خرابا فقالوا في ذلك فأحسنوا وكان من جملتهم أبو تمام الطائي وقد أورد قصيدته بتماهها ابن جرير وهي قوله ... بذ الجلاد البذ فهو دفين ... ما إن بها إلا الوحوش قطين ... لم يقر هذا السيف هذا الصبر في ... هيجاء إلى عز هذا الدين ... قد كان عذرة سودد فافتضها ... بالسيف فحل المشرق الأفشين ... فأعادها تعوي الثعالب وسطها ... ولقد ترى بالأمس وهي عرين ... هطلت عليها من جماجم أهلها ... ديم إمارتها طلى وشؤون ... كانت من المهجات قبل مفازة ... عشرا فأضحت وهي منه معين ... .
وفي هذة السنة أعنى سنة ثلاث وعشرين ومائتين أوقع ملك الروم توفيل بن ميخائيل بأهل ملطية من المسلمين وما والاها ملحمة عظيمة قبل فيها خلقا كثيرا من المسلمين وأسر مالا يحصون كثرة وكان من جملة من أسر ألف امرأة من المسلمات ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم وأنوفهم وسمل أعينهم قبحه الله وكان سبب ذلك أن بابك لما أحيط به في مدينة البذ استوسقت الجيوش حوله وكتب إلى ملك الروم يقول له إن ملك العرب قد جهز إلى جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعا إلى ما حولك من بلاده فخذها فانك لا تجد أحدا يمانعك عنها فركب توفيل بمائة ألف وانضاف إليه المحمرة الذين كانوا قد خرجوا في الجبال وقاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فلم يقدر عليهم لأنهم تحصنوا بتلك الجبال فلما قدم ملك الروم صاروا معه على المسلمين فوصلوا إلى ملطية فقتلوا من أهلها خلقا كثيرا