أخي أمير المؤمنين إليكم بذلك فقالوا ننظر في أمرنا غدا ونرد عليكم الخبر عشية ثم انصرفوا فاجتمع جميع الأمراء إلى ابن الأشعث فقام فيهم خطيبا وندبهم إلى قبول ما عرض عليهم من عزل الحجاج عنهم وبيعة عبد الملك وإبقاء الأعطيات وإمرة محمد بن مروان على العراق بدل الحجاج فنفر الناس من كل جانب وقالوا لا والله لا نقبل ذلك نحن أكثر عددا وعددا وهم في ضيق من الحال وقد حكمنا عليهم وذلوا لنا والله لا نجيب إلى ذلك أبدا ثم جددوا خلع عبد الملك ونائبه ثانية واتفقوا على ذلك كلهم .
فلما بلغ عبد الله بن عبد الملك وعمه محمدا الخبر قالا للحجاج شأنك بهم إذا فنحن في طاعتك كما أمرنا أمير المؤمنين فكانا إذا لقياه سلما عليه بالإمرة ويسلم هو ايضا عليهم بالإمرة وتولى الحجاج أمر الحرب وتدبيرها كما كان قبل ذلك فعند ذلك برز كل من الفريقين للقتال والحرب فجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليمان وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي وعلى الخيل سفيان بن الأبرد وعلى الرجالة عبد الرحمن بن حبيب الحكمي وجعل ابن الأشعث على ميمنته الحجاج بن حارثة الجشمي وعلى الميسرة الأبرد بن قرة التميمي وعلى الخيالة عبد الرحمن ابن عياش بن أبي ربيعة وعلى الرجالة محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري وعلى القراء جبلة بن زحر بن قيس الجعفي وكان فيهم سعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكميل بن زياد وكان شجاعا فاتكا على كبر سنه وابو البحتري الطائي وغيرهم وجعلوا يقتتلون في كل يوم وأهل العراق تأتيهم الميرة من الرساتيق والأقاليم من العلق والطعام وأما أهل الشام الذين مع الحجاج فهم في أضيق حال من العيش وقلة من الطعام وقد فقدوا اللحم بالكلية فلا يجدونه وما زالت الحرب في هذه المدة كلها حتى انسلخت هذه السنة وهم على حالهم وقتالهم في كل يوم أو يوم بعد يوم والدائرة لأهل العراق على أهل الشام في أكثر الأيام وقد قتل من أصحاب الحجاج زياد بن غنم وكسر بسطام بن مصقلة في أربعة آلاف جفون سيوفهم واستقتلوا وكانوا من أصحاب ابن الأشعث وفي هذه السنة كانت وفاة المهلب بن أبي صفرة وهو المهلب بن أبي صغرة ظالم أبو سعيد الأزدي أحد أشراف أهل البصرة ووجوههم ودهاتهم وأجوادهم وكرمائهم ولدعام الفتح وكانوا ينزلون فيما بين عمان والبحرين وقد ارتد قومه فقاتلهم عكرمة بن أبي جهل فظفر بهم وبعث بهم إلى الصديق وفيهم أبو صفرة وابنه المهلب غلام لم يبلغ الحنث ثم نزل المهلب البصرة وقد غزا في أيام معاوية أرض الهندسة أربع وأربعين وولى الجزيرة لإبن الزبير سنة ثمان وستين ثم ولى حرب الخوارج أول دولة الحجاج وقتل منهم في وقعة واحدة أربعة آلاف وثمانمائة فعظمت منزلته عند الحجاج وكان فاضلا شجاعا كريما يجب المدح وله كلام حسن فمنه نعم الخصلة السخاء تستر عورة الشريق