وأخرج عبيد الله بعض الامراء وامرهم أن يركبوا فى الكوفة يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل ففعلوا ذلك فجعلت المرأة تجىء إلى ابنها وأخيها وتقول له ارجع إلى البيت الناس يكفونك ويقول الرجل لابنه وأخيه كأنك غدا بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم فتخاذل الناس وقصروا وتصرموا وانصرفوا عن مسلم بن عقيل حتى لم يبق إلا فى خمسمائة نفس ثم تقالوا حتى بقى فى ثلاثمائة ثم تقالوا حتى بقى معه ثلاثون رجلا فصلى بهم المغرب وقصد أبواب كندة فخرج منها فى عشرة ثم انصرفوا عنه فبقى وحده ليس معه من يدله على الطريق ولا من يؤانسه بنفسه ولا من يأويه إلى منزله فذهب على وجهه واختلط الظلام وهو وحده يتردد فى الطريق لا يدرى أين يذهب فأتى بابا فنزل عنده وطرقه فخرجت منه امرأة يقال لها طوعة كانت أم ولد للأشعث بن قيس وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد خرج من الناس وأمه قائمة بالباب تنتظره فقال لها مسلم بن عقيل اسقنى ماء فسقته ثم دخلت وخرجت فوجدته فقالت ألم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس على بابى ولا أجمله لك فقام فقال يا أمة الله ليس لى فى هذا البلد منزل ولا عشيرة فهل إلى أجر ومعروف وفعل نكافئك به بعد اليوم فقالت يا عبد الله وما هو قال أنا مسلم بن عقيل كذبنى هؤلاء القوم وغرونى فقالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فأدخلته بيتا من دارها غير البيت الذى يكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش فلم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول والخروج فسألها عن شأنها فقالت يا بنى اله عن هذا فألح عليها فأخذت عليه أن لا يحدث أحدا فأخبرته خبر مسلم فاضطجع إلى الصباح ساكتا لا يتكلم وأما عبيد الله بن زياد فانه نزل من القصر بمن معه من الامراء والاشراف بعد العشاء الآخرة فصلى بهم العشاء فى المسجد الجامع ثم خطبهم وطلب منهم مسلم بن عقيل وحث على طلبه ومن وجد عنده ولم يعلم به فدمه هدر ومن جاء به فله ديته وطلب الشرط وحثهم على ذلك وتهددهم فلما أصبح ابن تلك العجوز ذهب إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأعلمه بأن مسلم بن عقيل فى دارهم فجاء عبد الرحمن فسار أباه بذلك وهو عند ابن زياد فقال ابن زياد ما الذى سارك به فأخبره الخبر فنخس بقضيب فى جنبه وقال قم فأتنى به الساعة وبعث ابن زياد عمر بن حريث المخزومى وكان صاحب شرطته ومعه عبد الرحمن ومحمد بن الأشعث فى سبعين أو ثمانين فارسا فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط بالدار التى هو فيها فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم من الدار ثلاث مرات وأصيبت شفته العليا والسفلى ثم جعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار فى أطناب القصب فضاق بهم ذرعا فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم فأعطاه عبد الرحمن الأمان فأمكنه من يده وجاؤا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه فلم يبق يملك من نفسه شيئا فبكى عند ذلك وعرف أنه مقتول