عمدتهم شيئان أحدهما أنه قال كذب اصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ولم يقل اخوهم كما قال وإلى مدين أخاهم شعيبا والثاني أنه ذكر عذابهم بيوم الظلة وذكر في أولئك الرجفة أو الصيحة والجواب عن الأول أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله كذب اصحاب الأيكة المرسلين لأنه وصفهم بعبادة الأيكة فلا يناسب ذكر الأخوة ههنا ولما نسبهم إلى القبيلة شاع ذكر شعيب بأنه أخوهم وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة وأما إحتجاجهم بيوم الظلة فإن كان دليلا بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى فليكن تعداد الإنتقام بالرجفة والصيحة دليلا على أنهما أمتان أخريان وهذا لا يقوله أحد يفهم شيأ من هذا الشأن فأما الحديث الذي أورده الحافظ ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب عليه السلام من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن أبيه عن معاوية بن هشام عن هشام بن سعد عن شفيق بن ابي هلال عن ربيعة بن سيف عن عبدالله بن عمرو مرفوعا إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي عليه السلام فإنه حديث غريب وفي رجاله من تكلم فيه والأشبه أنه من كلام عبدالله بن عمرو مما أصابه يوم اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار بني إسرائيل والله أعلم .
ثم قد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان فدل على أنهم أمة واحدة أهلكوا بأنواع من العذاب وذكر في كل موضع ما يناسب من الخطاب وقوله فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ذكروا أنهم أصابهم حر شديد وأسكن الله هبوب الهوا عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الإسراب فهربوا من محلتهم إلى البرية فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح وخرجت الأشباح فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ونجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين كما قال تعالى وهو أصدق القائلين ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود وقال تعالى وقال الملأ من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين وهذا في مقابلة قولهم لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون ثم ذكر تعالى عن نبيهم أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخا ومؤبنا ومقرعا فقال تعالى يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين أي أعرض عنهم موليا عن محلتهم بعد هلكتهم قائلا يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم أي قد أديت ما كان واجبا علي من البلاغ التام والنصح الكامل وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه فلم