ولا شرب ولا غسل ولا دهن ولا نكاح بل الصالحون باقون فيه ويستلذون من نور الله تعالى يريدون بذلك أن تلك الأنفس تستلذ بما تعقل من الباري بما تستلذ سائر طبقات الملائكة بما عقلوا من وجوده سبحانه فالسعادة والغاية القصوى هي الوصول إلى هذا الملأ الأعلى والحصول في هذا الحد هو بقاء النفس كما وصفنا إلى ما لا نهاية له ببقاء الباري جل اسمه وهذا هو الخير العظيم الذي لا خير يقاس به ولا لذة يمثل بها وكيف تمثل الدائم بما لا نهاية له بالشيء المنقطع وهو قوله تعالى في نص التوراة لكي يطيب لك في العالم الذي كله طيب ويطيل أيامك في العالم الذي كله طائل والشقاوة الكاملة هو انقطاع النفس وتلفها وأن لا تحصل باقية وهو القطع المذكور في التوراة كما بين وقال انقطاعا ينقطع من هذا العالم وينقطع من العالم المستقبل فكل من أخلد إلى اللذات الجسمانية ونبذ الحق وآثر الباطل انقطع من ذلك البقاء والعلو وبقي مادة منقطعة فقط وقد قال النبي أشعيا إن العالم المستقبل ليس يدرك بالحواس وهو قوله لا عين تقدر تراه .
وأما الوعد والوعيد المذكور في التوراة في لذات هذا العالم فتأويله ما أصف لك وذلك أنه يقول لك إن امتثلت هذه الشرائع نعينك على امتثالها والكمال فيها ونقطع عنك العلائق كلها لأن الإنسان لا يمكنه العبادة لا مريض ولا جائع ولا عاطش ولا في فتنة فوعد بزوال هذه كلها وإنهم يصحون ويتذهنون حتى يكمل لهم المعرفة ويلتحقون بالعالم المستقبل فليس غاية التوراة إلا أن تخصب الأرض وتطول الأعمار وتصح الأجسام وإنما يعان على امتثالها بهذه الأشياء كلها وكذلك إن تعدوا كان عقابهم أن تحدث عليهم تلك العوائق كلها حتى لا يمكن أن يعملوا صالحة فإذا تأملت هذا التأمل العجيب تجده كأنه يقول إن فعلت بعض هذه الشرائع بمحبة وفرض نعينك عليها كلها بأن نزيل عنك العوائق والموانع وإن ضيعت منها بعضها استخفافا نجلب عليك موانع نمنعك من جميعها حتى لا يحصل لك كلام ولا بقاء انتهى