الروحاني بل ليس عندنا توجد لذة غير لذات الأجسام وإدراك الحواس من الطعام والشراب والنكاح وما سمي غير ذلك فهو عندنا غير موجود ولا نميزه ولا ندركه على بادئ الرأي إلا بعد تحذق كثير وإنما وجب ذلك لكوننا في العالم الجسماني في لذات فلا ندرك إلا لذته فأما اللذات النفسانية فهي دائمة غير منقطعة وليس بينها وبين هذه اللذة نسبة بوجه من الوجوه ولا يصح لنا في الشرع ولا عند الإلهيين من الفلاسفة أن نقول إن الملائكة والكواكب والأفلاك ليس لها لذة بل لهم لذة عظيمة جدا لما عقلوه من الباري D وهم بذلك في لذة غير منقطعة ولا لذة جسمانية عندهم ولا يدركونها لأنه ليس لهم حواس مثلنا يدركون بها ما ندرك نحن وكذلك نحن إذا تزكى منا من تزكى وصار بتلك الدرجة بعد الموت لا يدرك اللذات الجسمانية ولا يريدها كما لا يريد الملك عظيم الملك أن ينخلع من ملكه ليرجع يلعب بالكرة في الأسواق وقد كان في زمان ما بلا محالة يفضل اللعب بتلك الكرة على الملك وذلك في حين صغر سنه عند جهله بالأمرين جميعا كما نفضل نحن اليوم اللذة الجسمانية على النفسانية وإذا ما بلغت أمر هاتين اللذتين نجد حساسة اللذة الواحدة ورفعة الثانية ولو في هذا العالم وذلك أنا نجد أكثر الناس يحملون أنفسهم وأجسامهم من الشقاء والتعب ما لا مزيد عليه كي ينال رفعة يعظمه الناس وهذه اللذة ليست لذة طعام أو شراب وكذلك كثير من الناس يؤثر الانتقام من عدوه على كثير من لذات الجسم وكثير من الناس يتجنب أعظم ما يكون من اللذات الجسمانية خشية أن يناله في ذلك جزاء أو حشمة من الناس .
فإذا كانت حالتنا في هذا العالم الجسماني هكذا فناهيك بالعالم النفساني وهو العالم المستقل الذي تعقل أنفسنا من الباري فيه مثل ما تعقل الأجرام العلوية أو أكثر فإن تلك اللذة لا تتجزأ ولا تتصف ولا يوجد مثل تمثل تلك اللذة بل كما قال النبي داود متعجبا من عظمتها ما أكثر وما أجزل خيرك الذي خبأته للصالحين الطائعين لأمرك وهكذا قال العلماء العالم المستقبل ليس فيه لا أكل