- روى مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم أن رسول الله A جاءه قوم من مضر مجتابي النمار أي لابسي العباء الصوف المخطط فتمعر وجه رسول الله A لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : [ [ { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } إلى قوله { إن الله كان عليكم رقيبا } والآية التي في الحشر { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } . تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع تمر من صاع بر حتى قال ولو بشق تمرة ] ] . قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت فتتابع الناس حتى صار كومين من طعام وثياب حتى تهلل وجه رسول الله A فقال رسول الله A : [ [ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ] ] الحديث .
وفي رواية للإمام أحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم مرفوعا : [ [ من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ] ] الحديث .
وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ من سن حسنة فله أجرها ما عمل بها عامل في حياته وبعد مماته حتى تترك ] ] الحديث .
وروى ابن ماجه والترمذي مرفوعا وقال حديث حسن : [ [ من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيء ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيء ] ] .
ومعنى لا يرضاها الله ورسوله : أي لا يشهد لها كتاب ولا سنة بالصحة .
وروى ابن ماجه والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ إن لهذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نكون في أعمال الخير من أهل الرعيل الأول فنبدأ بفعل الخير قبل الناس مسارعة للخير ويستن بنا الناس وذلك كما إذا رأينا إنسانا يسأل الناس ولا أحد يعطيه شيء فنعطيه أمام الناس تحريضا لهم على العطاء ولا نعطيه سرا وكذلك نحرص على أن نقوم من الليل من أول ما يقع التجلي : [ [ وينادي الحق تعالى هل من سائل فأعطيه سؤله هل من مستغفر فأغفر له هل من مبتلى فأعافيه ] ] .
إلى آخر ما ورد في ذلك من أول الثلث الأخير من الليل في أغلب التجليات التي كان A يتهجد وقتها كما أشار إليه قوله تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه } .
وذلك ليتأسى بنا إخواننا وجيراننا فربما قام أحدهم يتهجد حين يرانا فيكتب لنا وله الأجر .
ومن هذا الباب أيضا إظهار التصبر على البلايا والمحن في هذا الزمان ليتأسى الناس بنا في الصبر وعدم التسخط فإن رأينا الصبر بلغ حده أظهرنا الضعف حتى يرتفع كما وقع لأيوب عليه السلام فعلم أنه ينبغي لكل عامل أن يستر عمله ما استطاع إلا في محل يقتدي به في فعله وفي كيفيته . والله أعلم .
وسمعت سيدي عليا الخواص Bه يقول : لا ينبغي إظهار الأعمال إلا للأكابر من العلماء والصالحين الغواصين على دسائس النفوس وأما أمثالنا فربما يظهر الواحد منا أعماله رياء وسمعة وتلبس عليه نفسه وتقول له أنت بحمد الله من المخلصين وإنما تظهر هذه العبادة ليقتدي بك الناس فينبغي لمثل هذا أن يمتحن نفسه بما لو جاء أحد يفعل ذلك الخير وتنقاد الناس له مثله أو أكثر منه فإن انشرح لذلك فهو مخلص وإن انقبض خاطره فهو مراء دق المطرقة ولو أنه كان مخلصا لفرح بذلك أشد الفرح الذي قيض الله تعالى له من كفاه المؤونة [ أي كفاه مشقة تعليم هؤلاء ] ثم إن قالت له نفسه إنما تشوشت لفوات الخير العظيم الذي كان يحصل لك من حيث هو خير فليقل لها إني معتمد على فضل الله لا على الأعمال فإن دخلت الجنة فإنما هو برحمة الله تعالى لا بعملي فينبغي للعبد أن لا يصغي لدعوى نفسه في الإخلاص وليمتحن الشيخ أو المدرس نفسه بما إذا فرت جماعته كلهم منه إلى شخص من أقرانه وبقي وحده لا يجد أحدا يتمشيخ عليه فإن انشرح لذلك فهو مخلص وإن حصل في نفسه حزازة فالواجب عليه أن يتخذ له شيخا يخرجه من ظلمات الرياء وإلا مات عاصيا وذهب إلى الآخرة صفر اليدين من الخير لأن الله تعالى لم يقبل له عملا .
وسمعته أيضا يقول : ينبغي للعامل إذا درس في مثل جامع الأزهر أن يحرر نيته قبل ذلك ولو مكث سنين بلا إقراء حتى يجد له نية صالحة وذلك لغلبة دخول الأكابر الذين تميل النفوس إلى مراآتهم من الأمراء والأغنياء إلى الجامع وكان النووي إذا درس في المدرسة الأشرفية بدمشق يوصي الطلبة أن لا يجيئوا دفعة واحدة خوفا من كبر الحلقة .
وكان إذا درس جلس في عطفة المسجد ويقول : إن النفس تستحلي رؤية الناس لها وهي تدرس في صحن المسجد أو صدره .
وبلغه يوما وهو يدرس في جامع بني أمية أن الملك الظاهر عازم على الصلاة في الجامع فترك التدريس وحضور المسجد ذلك اليوم . فإياك يا أخي أن تعقد لك مجلس علم أو ذكر الله تعالى أو صلاة على رسول الله A بحيث يراك الناس إلا أن تكون سالما من هذه العلل والآفات .
وقد حضرت مرة الشيخ العالم العامل شمس الدين اللقاني مفتي المالكية بالجامع الأزهر وهو يقول لشيخنا الشيخ نور الدين الشوني شيخ مجلس الصلاة على رسول الله A : [ [ والله يا أخي إني خائف عليك من تصدرك في الجامع في هذا المجلس ليلة الجمعة ويومها والأمراء والأكابر ينظرون إليك ويعتقدونك على ذلك ويقولون شيء لله المدد فربما مالت نفسك إلى حب فرحها بذلك فخسرت الدنيا والآخرة .
وسمعته مرة أخرى يقول : إذا فرغ الناس من صلاة الجمعة فاصبر على قراءة سورة الكهف حتى ينفض الناس ثم اشرع في القراءة فإن النفس تستحلي رؤية الناس لها في ذلك المحفل العظيم .
فاعلم يا أخي ذلك واعمل به وبهدى هدى الصادقين اقتد والله يتولى هداك