- روى ابن ماجه والحاكم مرفوعا بإسناد صحيح : [ [ من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له ] ] . وفي رواية لأبي داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من سمع النداء فلم يمنعه من إتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها قالوا وما العذر ؟ قال خوف أو مرض ] ] . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ] ] . وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا : [ [ لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم ] ] . فقيل ليزيد بن الأصم الجمعة عني أو غيرها ؟ قال : صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يقول يأثره عن رسول الله A ولم يذكر جمعة ولا غيرها . قلت : وهذا الحديث يرد جواب من أجاب بأن همه A بالتحريق إنما كان في حق جماعة منافقين لا يصلون في بيوتهم أما المصلون في بيوتهم فلم يهم A بتحريقهم وهذا الجواب مذكور في شرح المهذب وغيره . والله أعلم . وروى الترمذي عن ابن عباس موقوفا : [ [ لو صام رجل النهار وقام الليل ولكن لم يشهد الجمعة ولا الجماعة فهو في النار ] ] . وتقدم حديث مسلم عن أبي هريرة في رجل خرج من المسجد بعد الآذان : أما هذا فقد عصا أبا القاسم A . قال ابن المنذر : وممن قال إن حضور الجماعة فرض عين عطاء وأحمد بن حنبل وأبو ثور . والله أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا نتهاون بصلاة الجماعة ونصلي فرادى إلا لعذر شرعي امتثالا لأمر الله D بالأصالة لا طلبا للثواب الوارد في ذلك فإن الثواب من لازم من يخدم الله D لأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وما كان يحصل ضمنا من سائر حظوظ النفس فلا ينبغي لعبد أن يخدم سيده لأجله وهذا الأصل يسري معك في سائر العبادات فيقصد بفعلها امتثال أمر الله D بذلك لا غير .
فاعلم أن من قصر نظره في عبادته على الثواب فهو دنيء الهمة خارج عن أدب العبودية .
وكان سيدي علي الخواص C يقول : لا ينبغي لجار المسجد أن يترك صلاة الجماعة في المسجد ويصلي في بيته ولو جماعة إلا لعذر من مرض أو حال غالب عليه منعه من الخروج للناس . قال : ويحتاج صاحب هذا الحال إلى ميزان دقيق ينظر به ما هو الأرجح هل هو خروجه أم عدم خروجه فليفعله فقد يكون الإنسان في جمعية بقلبه مع الحق لا يستطيع مفارقة تلك الحضرة خوفا من تفرقة قلبه وإسدال الحجاب بينه وبين تلك الحضرة إذا خرج .
وكان سيدي أبو السعود الجارحي Bه إذا كان في غلبة حال يصلي مع زوجته في البيت ولا يخرج للمسجد .
وكان سيدي محمد بن عنان إذا مرض يخرج للجماعة زحفا ولا يترك صلاة الجماعة وحضرت أنا وفاته فأحرم بالصلاة خلف الإمام وهو جالس في النزع وقد مات نصفه الأسفل فصلى بالإيماء مع الإمام فلما سلم أضجعناه فصار يهمهم بشفتيه والسبحة في يده فكان آخر حركة يده في السبحة طلوع روحه Bه .
وكان أخي أفضل الدين C يقول : لا أستطيع أن أقف بين يدي الله في الصلاة وحدي أبدا وقد وقفت بين يديه وحدي مرة فكدت أن أموت من الهيبة كما تحصل الهيبة لمن أدخلوه على السلطان وحده في مجلس حكمه والجنود مصطفة بين يديه وقد عمتهم كلهم الهيبة وخوف السطوة بخلاف من وقف بين يديه من جملة الناس الواقفين فإنه يستأنس بالناس فلو أن الحق تعالى شرع لنا الوقوف بين يديه على الانفراد لذاب عظم المصلين مع الحضور ولحمهم فكأن مشروعية الجماعة إنما هو رحمة بنا . قال : وتأمل يا أخي رسول الله A لما أسرى به وزجه جبريل في النور وحده بين يدي الله D كما يليق بجلاله كيف استوحش حتى أسمعه الله تعالى صوتا يشبه صوت أبي بكر يقول له : [ [ يا محمد قف فإن ربك يصلى ] ] الحديث . فزالت تلك الوحشة الطبيعية من حيث البشرية وبقي روحا مجردا فزالت تلك الوحشة [ مكرر ؟ ؟ ] إذ الأرواح لا توصف بالوحشة ولا بالاستيحاش فافهم .
وسمعته أيضا يقول : إنما أكره الصلاة فرادى لأني لا أعلم آداب حضرة الله D فإذا وقفت مع الناس ربما رأيت أحدا من أهل الأدب مع الله فتشبهت به ولو أني صليت وحدي ما وجدت أحدا يعلمني شيئا قال ولكل صلاة أدب جديد فليس هنا أدب يتكرر إلا في الصورة لا في الذوق ثم قال : والله ما أرى نفسي بين يدي الله في الصلاة إلا كالمجرم الذي استحق العقوبة ولم يقبل الملك فيه شفاعة .
واعلم يا أخي أن بعض الناس قد يواظب على الجماعة رياء وسمعة لا امتثالا لأمر الله D فينبغي التفطن لذلك . وقد حكي أن شخصا من السلف الصالح واظب على صلاة الجماعة في الصف الأول سبعا وعشرين سنة فتخلف يوما عن الصف الأول فوجد في نفسه استيحاشا من ذلك فأعاد الصلاة مدة السبع وعشرين سنة .
وقد كثرت خيانة هذا العهد من جماعة من طلبة العلم ويحتجون بالمطالعة حتى أني رأيت شخصا في جامع الأزهر يطالع في علم المنطق وصلاة الجماعة في العصر قائمة فقلت له في ذلك فقال الوقت متسع فقلت له : أما تعلم قول رسول الله A لما سئل أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الصلاة لأول وقتها . ثم قلت له : وبتقدير أن الوقت متسع فهل تقدر تجمع لك جماعة يصلون معك قدر هذه الجماعة ؟ فانقطعت حجته وبقي على مطالعته فمثل هؤلاء لا يفلحون فإن أوامر الله الخاصة بأوقات ينبغي تقديمها على الأوامر العامة بل ربما يجب ولذلك كان الإنسان يقطع صلاة النافلة ويدخل في صلاة الجماعة إذا أقيمت مع أنه في النافلة بين يدي الله تعالى كل ذلك اهتماما بشأن الجماعة وفي الحديث : يد الله مع الجماعة . أي تأييده ورحمته وشفقته ونعمته ففي ترك الجماعة حصول ضد ذلك للعبد .
وسمعت سيدي عليا الخواص C يقول : لا يتهاون أحد قط بعبادة ندب الشرع إليها إلا وعنده بقايا من النفاق فمن أراد زوال تلك البقايا فعليه بالسلوك على يد شيخ ناصح يسلك به في حضرات الإيمان واليقين والنور ويخرجه من حضرات الشك والنفاق والظلمة وهناك يصير لا يشبع من خير ولا يمل من عبادة ولا يستثقل الخروج لصلاة الجماعة ولو في طرف البلد . فإن كان عندك يا أخي ملل من العبادات فاسلك على يد شيخ يخرجك عن ذلك الملل والله يتولى هداك