- روى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فيؤتى به فيعرفه الله تعالى نعمه عليه فيعرفها فيقول الله تعالى له ما عملت فيها ؟ فيقول : تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك فيقول له الحق تعالى كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فيحسب على وجهه حتى ألقى في النار ] ] .
وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا : [ [ إن الله تعالى يقول للقارئ يوم القيامة ألم أعلمك القرآن الذي أنزلته على رسولي ؟ فيقول بلى يا رب فيقول الله تعالى له : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم لك به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله D له : كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول له الله D بل أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك فهو من أول من تسعر بهم النار ] ] .
وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ من عمل من هذه الأمة عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب ] ] .
وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ من تزين بعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السماوات والأرض ] ] .
وروى الترمذي وغيره مرفوعا : [ [ يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله D : أبى يغترون ؟ وعلى عظمتي يجترئون فبي حلفت لأبعثن عليهم فتنة تدع الحليم حيرانا ] ] .
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من طلب الدنيا بعمل الآخرة طمس الله وجهه ومحق ذكره وأثبت اسمه في ديوان أهل النار ] ] .
وروى ابن ماجه مرفوعا عن ابن عباس قال الحافظ المنذري ولعله موقوف : [ [ إن في جهنم واديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد كحامل كتاب الله والمتصدق في غير ذات الله والحاج إلى بيت الله والخارج في سبيل الله ] ] .
وروى الإمام أحمد بإسناد جيد وابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعا : [ [ إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا ؟ وما الشرك الأصغر قال : الرياء يقول الله D إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ] ] .
وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعا : [ [ إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك ] ] .
وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ يؤمر بأناس إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا ريحها ونظروا إلى قصورها وما أعد الله لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها فيقولون : ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا قال : ذلك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراءون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي اليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم من الثواب ] ] .
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك وشهوة خفية قيل وتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : إنهم لا يعبدون شمسا ولا وثنا ولا حجرا ولكن يراءون الناس بأعمالهم قيل يا رسول الله الرياء شرك هو ؟ قال : نعم . قيل : فما الشهوة الخفية . قال : يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيفطر ] ] .
وروى ابن خزيمة مرسلا : [ [ لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من خردل من رياء ] ] .
وروى ابن خزيمة مرفوعا : [ [ إياكم وشرك السرائر قيل : يا رسول الله ؟ وما شرك السرائر ؟ قال : يقوم الرجل فيصلى فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر ] ] .
وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقيل فكيف نتقيه يا رسول الله وهو أخفى من دبيب النمل ؟ فقال قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك مما لا نعلمه ] ] . والله تعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن لا نرائي في عباداتنا أحدا من الخلق خوفا من مقت الله D سواء كان الرياء مصاحبا للعمل أو متأخرا عنه كأن يحب أحدنا والعياذ بالله تعالى ظهور أثر الطاعة عليه من نور الوجه وحسن السمت في المستقبل أو ظهور أثر السجود في جبهته مثل ركبة العنز أو كثرة المصلين في جنازته لغير غرض صحيح أو يميل إلى قول الناس له إذا مر عليهم وعلى وجهه نور شيء لله المدد يا سيدي الشيخ ونحو ذلك فإن ذلك كله يرجع إلى الرياء ولو لم يصاحب العبادة .
وقد كنت مرة جالسا عند سيدي علي الخواص C وهو يضفر الخوص فمر بنا شخص من المتعبدين قوامين الليل الصائمين النهار والنور يخفق على وجهه فقلت له يا سيدي انظر إلى هذا النور العظيم الذي على وجه هذا الرجل فرفع الشيخ رأسه فقال : اللهم اكفنا السوء بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير فقلت له : لما ذا ؟ فقال : يا ولدي إذا أراد الله بعبد خيرا جعل نوره في قلبه ليعرف ما يأتي وما يذر من الحسن والقبيح وجعل وجهه كآحاد الناس وإذا أراد الله بعبد سوءا نقل النور الذي في قلبه على وجهه وأخلى باطنه من النور وجعله مظلما ليقع في كل فاحشة وفي كل رذيلة ويقول له الناس مع ذلك شيء لله المدد يا سيدي الشيخ لما يرونه من النور الذي على وجهه مع أن قلبه خراب مظلم فقلت له : يا سيدي أما يجمع الله تعالى لأحد بين النورين ؟ فقال : يمكن ولكن قد أمرنا الله تعالى بالستر لأعمالنا في هذه الدار فلا يظهر لنا كمال إلا في محل يقتدى بنا فيه فقلت له حصول النور على وجه العبد لا يجيء بالتفعل فقال صحيح : ولكن لا يظهر عليه شيء قط إلا مع ميل سبق منه ولولا ميله ما ظهر فقلت له فيحتاج الإنسان إلى ميزان دقيق فقال : نعم وهو كذلك فربما ظهر كمال العبد بميل خفي لا يشعر به فليفتش العبد نفسه انتهى .
وسمعت أخي أفضل الدين C يقول : الكامل المكمل من كان على عبادة الملائكة ومع ذلك لم يظهر على ظاهر منه شيء فهذا هو الذي يخرج من الدنيا وأجره موفر لا ينقص منه ذرة ومن هنا ترك بعض الأكابر العذبة والسبحة وتربية الشعر ولبس الصوف والجلوس على السجادة ودخلوا في غمار العامة فلا يكادون يتميزون عن العامة بهيئة فإن هذه الأمور قد صارت علما على أن صاحبها من أهل الطريق وأما من لبس الطيلسان وأرخى العذبة ولبس الصوف وجلس على سجادة بلا نية صالحة فكأن كل شعرة منه تقول للناس أنا من الصالحين ومحك ذلك أنه إذا ترك تلك اللبسة ولبس ثياب العوام على الدوام يجد في نفسه استيحاشا لأن هيئة المشيخة فارقته وما هو شيخ إلا بها فصار كالحداد بلا فحم . قال : وقد طلبت مرة أن أعمل لي شملة حمراء كالأحمدية فشاورت سيدي عليا الخواص فقال إن قدرت تقوم بواجبها فالبسها فقلت له وما واجبها ؟ قال أن تمشي على قدم سيدي أحمد البدوي قال : فقلت له لا أطيق فقال : فاترك ذلك ثم قال وعزة ربي إني جعلت في زيق جبتي شرموطا أحمر محبة في سيدي أحمد وأنا مستحي من الله تعالى في لبسه وكذلك القول في لباس كل خرقة من الخرق إن لم يمشي الإنسان على قدم أصحابها وإلا فليتركها وأين قدم الشيخ عبدالقادر الجيلي وسيدي أحمد الرفاعي وسيدي إبراهيم الدسوقي مثلا من أقدام من يلبس خرقتهم اليوم .
وقد رأيت خليفة سيدي أحمد البدوي وهو لابس عمامة سيدي أحمد وبشت سيدي عبدالعال وجهه مصفر كالذي له شهر ضعيف فقلت له ما سبب هذا الاصفرار ؟ فقال من هيبة صاحب العمامة والبشت ثم قال والله إني لما ألبسهما أحس بأن عظمي ولحمي ذائب انتهى .
وقد رأى سيدي أحمد الرفاعي يوما مريدا لبس جبة بيضاء فقال يا ولدي لقد لبست لبسة الأنبياء وتحليت بحلية الأصفياء فإن لم تسلك طريقهم وإلا فانزع لبستهم فاعلم ذلك .
وكان على هذا القدم من الأشياخ الذين أدركناهم سيدي الشيخ أبو العباس الغمري وسيدي إبراهيم الشاذلي وسيدي علي المرصفي وسيدي محمد الشناوي فكانوا لا يتميزون عن العامة في لبس Bهم أجمعين .
وسمعت الشيخ أمين الدين C يقول : سمعت سيدي أبا العباس الغمري يقول لسيدي محمد بن عنان : الظهور يقطع الظهور وربما استوفى من أظهر صلاحه في هذه الدار جزاء أعماله كلها من كثرة الاعتقاد فيه وقضاء حوائجه وإرسال الهدايا له ونحو ذلك فيذهب إلى الآخرة صفر اليدين من الأعمال الصالحة .
فاعلم أن الله تعالى ما طلب منا إلا أن نعبده خالصا لوجهه لا نشرك بعبادته أحدا من خلقه حتى أنفسنا إلا بقدر نسبة العمل إلينا لأجل التكليف فيا خسارة من يرائي بعمله من هذه الدار ويا ندامته يوم القيامة فإنه ليس مع الخلق الذين راءاهم شيء يعطونه له يوم القيامة في نظير مراءاتهم ولا هو عبد الله تعالى حتى يثيبه على عبادته قال تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .
وقد سمعت سيدي عليا الخواص C يقول : من شرط العمل الصالح أن لا يرى به نفسه على أحد من خلق الله تعالى فمتى رأى له به فضل على أحد خرج عن كونه صالحا إلا إن قصد بذلك الشكر انتهى .
ثم لا يخفى على كل عاقل أن العبد لا يستحق قط على خدمة سيده شيئا لأن خدمة السيد واجبة على عبده شرعا لكونها وظيفة الرق وكل عبد لا يرى المنة لسيده عليه في إذن له في الوقوف بين يديه فضلا عن إعطائه الثواب الجزيل فهو أعمى القلب في العبيد فإنه لو طرده مثل غيره ومنعه الوقوف بين يديه لهلك مع الهالكين .
واعلم يا أخي أن أكثر ما يدخل الرياء في الفضائل الزائدة على الفرائض أما الفرائض فلا يدخلها رياء إلا من حيث تحسينها بإظهار الخشوع فيها ونحو ذلك . والفرق بينهما في فعل الفرائض عبد اضطرار وفي النوافل عبد اختيار فكأنه يقول في نفسه قد فعلت ما كلفني الله تعالى به وزدت عليه ولو شئت لم أفعله فلذلك يغلب عليه شهود فضله على أخيه بفعل ذلك بخلافه في الفرائض ولذلك أمر العبد أن يقول في سجود التلاوة سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته بخلاف الفرائض لا يقول فيها بحوله وقوته لأنه لا يرى نفسه بها على غيره غالبا .
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ صادق يفني اختياره ويصبر على نهره ومناقشته له حتى يسير به في طريق الغيب ويوصله إلى حضرة ربه D ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه شهود العمل لنفسه وحب المحمدة به عند الناس وحب الشهرة بالصلاح شاء أم أبى . وإيضاح ذلك أن من لم يسلك الطريق لا يصح له غالبا دخول حضرة الإحسان التي يعبد الله فيها كأنه يراه أبدا فهو واقف في عبادته مع نفسه ومع الخلق في الأعمال ولو أنه دخل حضرة الإحسان لشهد الله تعالى هو الفاعل لجميع أعماله خلقا وإيجادا على الكشف والشهود وما بقي للعبد إلا وجه إسناد الفعل إليه مجازا لأجل قيامه بالحدود والتكاليف لا غير ومن كان كذلك لم يجد لنفسه عملا أصلا فاستراح من ورطة الرياء بالأعمال والإعجاب به وطلب الثواب من الله تعالى لأجله ونحو ذلك فصار يشهد جوارحه كالآلة التي يحركها المحرك على الفارغ فيرى الله هو الفاعل في جوارحه بالإمداد والقوى ؟ ؟ لا هو فإن العبد إذا أمره الحق تعالى بقوله افعل يتيه إعجابا في نسبة الفعل إليه ثم يسبقه إمداد الحق تعالى لقوته الفاعلة عند الفعل من حيث لا يشعر فيظن أنه الفاعل وينسى الفاعل الحقيقي ولو أنه نظر إلى قواه الباطنة وما أمده الحق تعالى لها من القوى لذهب عنه الرياء جملة واحدة فكان حكمه حينئذ حكمة من نام إلى الصباح وبجانبه شخص قائم ؟ ؟ يصلي طول الليل والناس ينظرون فهو لا يصح له أن يرائي بما فعل ذلك الشخص أبدا ولو أنه ادعى ذلك لكذبه الناس ومثل ذلك أيضا ما لو استعار ثوبا ليحضر به عرسا وجميع من حضر العرس يعرفون أن ذلك الثوب لفلان أعارها له فلا يصح له أن يدعيها لنفسه ولو ادعى كذبه الناس ولم يحصل له به تجمل بل كان العري له أولى من لبسه وكذلك القول في المرائي بعمله يكذبه الله وملائكته وجميع العارفين وتمقته القلوب قال تعالى : { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } . أي لو انكشف حجابكم لرأيتم الله تعالى فاعلا ومقتم نفوسكم عنده يعني في حضرة شهوده لادعائها ما ليس لها لا أن الله تعالى يمقت العبد على وجه نسبة الفعل إلى نفسه فإنه تعالى قد أضاف الأفعال إلى عباده وما أضافه إليهم لا يصح مقتهم لأجله فافهم . وبالجملة فمن راءى الناس بأعماله فهو مجنون والسلام